للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِخْلَاصِ ذَنْبٌ، كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَخَافُوا الكبائر بعد أَنْ تُحْبِطَ الْأَعْمَالَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا تَمُنُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ، نَزَلَتْ فِي بَنِي أَسَدٍ وَسَنَذْكُرُهُ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (١) .

[٣٤] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [محمد: ٣٤] هُمْ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ وَحُكْمُهَا عَامٌّ.

[٣٥] {فَلَا تَهِنُوا} [محمد: ٣٥] لَا تَضْعُفُوا {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} [محمد: ٣٥] أَيْ لَا تَدْعُوَا إِلَى الصُّلْحِ، ابْتِدَاءً مَنَعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوا الْكَفَّارَ إِلَى الصُّلْحِ، وَأَمَرَهُمْ بِحَرْبِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] الغالبون، قال الكلبي: آخر الأمم لَكُمْ وَإِنْ غَلَبُوكُمْ فِي بَعْضِ الأوقات، {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: ٣٥] بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٥] لن ينقصكم شيئا من ثوب أَعْمَالِكُمْ، يُقَالُ: وَتِرَهُ يَتِرُهُ وَتَرًا إِذَا نَقَصَ حَقَّهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: لَنْ يَظْلِمَكُمْ أَعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ بَلْ يُؤْتِيكُمْ أُجُورَهَا.

[٣٦] ثُمَّ حَضَّ عَلَى طَلَبِ الْآخِرَةِ فَقَالَ: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: ٣٦] بَاطِلٌ وَغُرُورٌ، {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} [محمد: ٣٦] الفواحش، {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} [محمد: ٣٦] جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ فِي الْآخِرَةِ {وَلَا يَسْأَلْكُمْ} [محمد: ٣٦] ربكم {أَمْوَالَكُمْ} [محمد: ٣٦] لِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بَلْ يَأْمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لِيُثِيبَكُمْ عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} [الذَّارِيَاتِ: ٥٧] وَقِيلَ: لَا يَسْأَلُكُمْ مُحَمَّدٌ أَمْوَالَكُمْ، نَظِيرُهُ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الْفُرْقَانِ: ٥٧] وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَسْأَلُكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْوَالَكُمْ كُلَّهَا فِي الصَّدَقَاتِ، إِنَّمَا يَسْأَلَانِكُمْ غَيْضًا مِنْ فَيْضٍ، رُبْعَ الْعُشْرِ فَطِيبُوا بِهَا نفسا، وقروا بها عينا وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ ابْنُ عُيينة، يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ:

[٣٧] {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} [محمد: ٣٧] أَيْ يُجْهِدُكُمْ وَيُلْحِفُ عَلَيْكُمْ بِمَسْأَلَةِ جَمِيعِهَا، يُقَالُ: أَحْفَى فَلَانٌ فَلَانًا إِذَا جَهِدَهُ، وَأَلْحَفَ عَلَيْهِ بِالْمَسْأَلَةِ، {تَبْخَلُوا} [محمد: ٣٧] بِهَا فَلَا تُعْطُوهَا، {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد: ٣٧] بُغْضَكُمْ وَعَدَاوَتِكُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْوَالِ خروج الأضغان.

[٣٨] {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [محمد: ٣٨] يَعْنِي إِخْرَاجَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عليكم، {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} [محمد: ٣٨] بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ، {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} [محمد: ٣٨] عَنْ صَدَقَاتِكُمْ وَطَاعَتِكُمْ، {وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: ٣٨] إِلَيْهِ وَإِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ. {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: ٣٨] بَلْ يَكُونُوا أَمْثَلَ مِنْكُمْ وَأَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ كِنْدَةُ وَالنَّخْعُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْعَجَمُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَارِسٌ وَالرُّومِ.

[سورة الفتح]

[قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ] اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. . .

(٤٨) سُورَةُ الفتح [١] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١] أَيْ قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً بَيِّنًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَكَانَ الصلح من الفتح المبين، واختلفوا في هذا الفتح، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ فَتْحُ مَكَّةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَتْحُ خَيْبَرَ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَعْنَى الْفَتْحِ فَتْحُ الْمُنْغَلِقِ، وَالصُّلْحُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَتَّى فتحه الله -عزّ وجلّ.

[٢] {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح: ٢] فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الرِّسَالَةِ، {وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] إلى وقت نزول هذه


(١) آية (١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>