للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّوْتُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الصَّاعِقَةِ، {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات: ٤٤] يَرَوْنَ ذَلِكَ عِيَانًا.

[٤٥] {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} [الذاريات: ٤٥] فَمَا قَامُوا بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ وَلَا قَدَرُوا عَلَى نُهُوضٍ.

قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يَنْهَضُوا مِنْ تِلْكَ الصَّرْعَةِ، {وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} [الذاريات: ٤٥] منتقمين مِنَّا.

قَالَ قَتَادَةُ: مَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا مِنَ الله.

[٤٦] {وَقَوْمَ نُوحٍ} [الذاريات: ٤٦] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (وقومِ) بِجَرِّ الْمِيمِ، أَيْ وَفِي قَوْمِ نُوحٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنَصْبِهَا بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [الذاريات: ٤٠] معناه.

أغرقناهم، كأنه قال: أَغْرَقْنَاهُمْ وَأَغْرَقْنَا قَوْمَ نُوحٍ.

{مِنْ قَبْلُ} [الذاريات: ٤٦] أَيْ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الذاريات: ٤٦]

[٤٧] {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: ٤٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما: لقادرون.

وَعَنْهُ أَيْضًا لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ عَلَى خلقنا.

وقيل: ذو سعة، وقال الضَّحَّاكُ: أَغْنِيَاءُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [الْبَقَرَةِ: ٢٣٦] قال الحسن: المطيقون.

[٤٨] {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [الذاريات: ٤٨] بَسَطْنَاهَا وَمَهَّدْنَاهَا لَكُمْ، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: ٤٨] الْبَاسِطُونَ نَحْنُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نِعْمَ مَا وَطَّأْتُ لِعِبَادِي.

[٤٩] {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذَّارِيَاتِ: ٤٩] صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالسَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، والجنة والنار، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحُلْوِ وَالْمُرِّ.

{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: ٤٩] فَتَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ فَرْدٌ. ٥٠،

[٥١] {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: ٥٠] فَاهْرُبُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَى ثَوَابِهِ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ.

وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فِرُّوا مِمَّا سِوَى اللَّهِ إِلَى اللَّهِ.

{إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ - وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: ٥٠ - ٥١]

[قوله تعالى كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ] إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. . .

[٥٢] {كَذَلِكَ} [الذاريات: ٥٢] أي كما كذبك قومك يا محمد وَقَالُوا: سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، كَذَلِكَ {مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الذاريات: ٥٢] مِنْ قَبْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ، {مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: ٥٢] ٥٣،

[٥٤] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات: ٥٣] أَيْ أَوْصَى أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ وَبَعْضُهُمْ بعضا بالتكذيب وتواطؤوا عَلَيْهِ؟ وَالْأَلْفُ فِيهِ لِلتَّوْبِيخِ، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: ٥٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَمَلَهُمُ الطُّغْيَانُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُمْ وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِمْ عَلَى تكذيبك، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [الذاريات: ٥٤] فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات: ٥٤] لَا لَوْمَ عَلَيْكَ فَقَدْ أَدَّيْتَ الرِّسَالَةَ وَمَا قَصَّرْتَ فِيمَا أُمِرْتَ بِهِ.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَظَنُّوا أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَأَنَّ الْعَذَابَ قَدْ حَضَرَ إِذْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَتَوَلَّى عَنْهُمْ.

[٥٥] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥] فَطَابْتُ أَنْفُسُهُمْ.

قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ عِظْ بِالْقُرْآنِ كُفَّارَ مَكَّةَ، فَإِنَّ الذكرى تنفع من فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يُؤْمِنَ منهما.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عِظْ بِالْقُرْآنِ مَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِكَ، فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُهُمْ.

[٥٦] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَسُفْيَانُ: هَذَا خَاصٌّ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ -مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، ثُمَّ قَالَ في آية أُخْرَى.

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الْأَعْرَافِ: ١٧٩] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا خَلَقْتُ السُّعَدَاءَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِلَّا لِعِبَادَتِي وَالْأَشْقِيَاءَ مِنْهُمْ إِلَّا لِمَعْصِيَتِي، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: هم عَلَى مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>