للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخْرِجَ لَهُمْ مِنْ صَخْرَةٍ نَاقَةً حَمْرَاءَ عَشْرَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر: ٢٧] محنة واختبارا لهم، {فَارْتَقِبْهُمْ} [القمر: ٢٧] فَانْتَظَرَ مَا هُمْ صَانِعُونَ، {وَاصْطَبِرْ} [القمر: ٢٧] عَلَى ارْتِقَابِهِمْ، وَقِيلَ: عَلَى مَا يصيبك من الأذى.

[قوله تعالى وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ] شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ. . .

[٢٨] {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وَبَيْنَ النَّاقَةِ، يَوْمٌ لَهَا وَيَوْمٌ لَهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَ: "بَيْنَهُمْ" لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَخْبَرَتْ عَنْ بَنِي آدَمَ وَعَنِ الْبَهَائِمِ غَلَّبَتْ بَنِي آدَمَ.

عَلَى الْبَهَائِمِ، {كُلُّ شِرْبٍ} [القمر: ٢٨] نصيب من الماء، {مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨] يَحْضُرُهُ مَنْ كَانَتْ نَوْبَتُهُ، فَإِذَا كان يوم الناقة حَضَرَتْ شِرْبَهَا، وَإِذَا كَانَ يَوْمُهُمْ حضروا شربهم، وأحضر وحضر بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي يَحْضُرُونَ الْمَاءَ إِذَا غَابَتِ النَّاقَةُ، فَإِذَا جَاءَتِ النَّاقَةُ حَضَرُوا اللَّبَنَ.

[٢٩] {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ} [القمر: ٢٩] وَهُوَ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ، {فَتَعَاطَى} [القمر: ٢٩] فتناول الناقة بسيفه {فَعَقَرَ} [القمر: ٢٩] أَيْ فَعَقَرَهَا.

[٣٠] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: ٣٠] ثُمَّ بَيَّنَ عَذَابَهُمْ.

[٣١] فَقَالَ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [القمر: ٣١] قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ صَيْحَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: ٣١] كَيَبَسِ الشَّجَرِ إِذَا تَحَطَّمَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الْمُحْتَرِقَةِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ التُّرَابُ الَّذِي يَتَنَاثَرُ مِنَ الْحَائِطِ.

[٣٢ - ٣٤] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ - كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ - إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} [القمر: ٣٢ - ٣٤] ريحا ترميهم بالحصباء، وهي الحصا، قال الضَّحَّاكُ: يَعْنِي صِغَارَ الْحَصَى.

وَقِيلَ: الْحَصْبَاءُ هِيَ الْحَجَرُ الَّذِي دُونَ مِلْءِ الْكَفِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَاصِبُ الرَّامِي، فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا: أرسلنا عليهم عذابا يحصبهم، يعني يَرْمِيهِمْ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: {إِلَّا آلَ لُوطٍ} [القمر: ٣٤] يعني لوطا وابنتيه، {نَجَّيْنَاهُمْ} [القمر: ٣٤] من العذاب، {بِسَحَرٍ} [القمر: ٣٤]

[٣٥] {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [القمر: ٣٥] يعني جَعَلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا عَلَيْهِمْ حَيْثُ أنجيناهم، {كَذَلِكَ} [القمر: ٣٥] يعني كَمَا أَنْعَمَنَا عَلَى آلِ لُوطٍ، {نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر: ٣٥] قَالَ مُقَاتِلٌ: مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ لَمْ يُعَذِّبْهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ.

[٣٦] {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ} [القمر: ٣٦] لوط، {بَطْشَتَنَا} [القمر: ٣٦] أَخْذَنَا إِيَّاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر: ٣٦] شَكُّوا بِالْإِنْذَارِ وَكَذَّبُوا وَلَمْ يُصَدِّقُوا.

[٣٧] {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} [القمر: ٣٧] طَلَبُوا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ أَضْيَافَهُ {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: ٣٧] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَصَدُوا دَارَ لُوطٍ وَعَالَجُوا الْبَابَ لِيَدْخُلُوا، قَالَتِ الرُّسُلُ لِلُوطٍ: خَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فَإِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَدَخَلُوا الدَّارَ فَصَفَقَهُمْ جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ فَتَرَكَهُمْ عُمْيًا يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْبَابِ، فَأَخْرَجَهُمْ لُوطٌ عُمْيًا لَا يُبْصِرُونَ.

قَوْلُهُ: (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) يعني صَيَّرْنَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>