للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَبْتَلَ وَكَانَ أَزْرَقَ الْعَيْنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟! " فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا فَعَلَ وَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا سَبُّوهُ،» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَاتِ (١) فقال: ويحلفون عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ.

[١٥ - ١٦] {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ} [المجادلة: ١٥ - ١٦] الكاذبة, {جُنَّةً} [المجادلة: ١٦] يَسْتَجِنُّونَ بِهَا مِنَ الْقَتْلِ وَيَدْفَعُونَ بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [المجادلة: ١٦] صَدُّوا الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جِهَادِهِمْ بِالْقَتْلِ وَأَخَذِ أَمْوَالِهِمْ، {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة: ١٦]

[١٧ - ١٨] {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} [المجادلة: ١٧] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ} [المجادلة: ١٧ - ١٨] مَا كَانُوا مُشْرِكِينَ، {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [المجادلة: ١٨] فِي الدُّنْيَا {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المجادلة: ١٨] مِنْ أَيْمَانِهِمُ الْكَاذِبَةِ، {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة: ١٨]

[١٩ - ٢٠] {اسْتَحْوَذَ} [المجادلة: ١٩] غَلَبَ وَاسْتَوْلَى، {عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة: ١٩ - ٢٠] الْأَسْفَلِينَ أَيْ هُمْ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَلْحَقُهُمُ الذُّلُّ فِي الدُّنْيَا والآخرة.

[قوله تعالى كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ] قَوِيٌّ عَزِيزٌ. . .

[٢١] {كَتَبَ اللَّهُ} [المجادلة: ٢١] قَضَى اللَّهُ قضَاءً ثَابِتًا، {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: ٢١] نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} [الصَّافَاتِ: ١٧١ - ١٧٢] قَالَ الزَّجَّاجُ: غَلَبَةُ الرُّسُلِ عَلَى نَوْعَيْنِ: مَنْ بُعِثَ مِنْهُمْ بِالْحَرْبِ فَهُوَ غَالِبٌ بِالْحَرْبِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْحَرْبِ فَهُوَ غَالِبٌ بالحجة.

[٢٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: ٢٢] الْآيَةَ أَخْبَرَ أَنَّ إِيمَانَ الْمُؤْمِنِينَ يفسد بموادة الكفار وَأَنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا لَا يوالي من كفر، إن كان من عشيرته، {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: ٢٢] أَثْبَتَ التَّصْدِيقَ فِي قُلُوبِهِمْ فَهِيَ مُوقِنَةٌ مُخْلِصَةٌ.

وَقِيلَ: حَكَمَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ فَذَكَرَ الْقُلُوبَ لِأَنَّهَا مَوْضِعَهُ.

{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢] قَوَّاهُمْ بِنَصْرٍ مِنْهُ، قَالَ الْحَسَنُ: سَمَّى نَصْرَهُ إِيَّاهُمْ رُوحًا لِأَنَّ أَمْرَهُمْ يَحْيَا بِهِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي بِالْإِيمَانِ.

وَقَالَ الرَّبِيعُ: يَعْنِي بالقران وحججه، كَمَا قَالَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: ٥٢] وَقِيلَ: بِرَحْمَةٍ مِنْهُ.

وَقِيلَ: أَمَدَّهُمْ بِجِبْرِيلَ عليه السلام.


(١) ذكره الواحدي في أسباب النزول ص٧٦١، وقال ابن حجر في الكافي: "لم أجده هكذا"، ثم ذكر نحوه من رواية سماك عن ابن جبير عن ابن عباس، وقد أخرجه أحمد والبزار والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>