للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦٤) سورة التغابن [١ - ٢] {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: ١ - ٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ خَلْقَ بَنِي آدَمَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا يُعِيدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا خَلَقَهُمْ مؤمنا وكافرا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَعْنَى الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ثُمَّ كَفَرُوا وَآمَنُوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْخَلْقَ ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِفِعْلِهِمْ، فَقَالَ {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التَّغَابُنِ: ٢] ثم اختلفوا في تأويلها، فروي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ.

فَمِنْكُمْ كَافِرٌ فِي حَيَاتِهِ مُؤْمِنٌ فِي الْعَاقِبَةِ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ فِي حَيَاتِهِ كَافِرٌ فِي الْعَاقِبَةِ.

وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: فَمِنْكُمْ كَافِرٌ بِاللَّهِ مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ.

وَقِيلَ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الدَّهْرِيَّةِ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ خلق الكافر، وكفره فعلا له وكسبا، وخلق المؤمن، وإيمانه فعلا له وكسبا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كَسْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَكَسْبُهُ وَاخْتِيَارُهُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَالْمُؤْمِنُ بَعْدَ خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاهُ يَخْتَارُ الْإِيمَانَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَدَّرَهُ عليه وعلم مِنْهُ، وَالْكَافِرُ بَعْدَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَدَّرَهُ عَلَيْهِ وَعَلِمَهُ مِنْهُ، وَهَذَا طَرِيقُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ سَلَكَهُ أَصَابَ الْحَقَّ وَسَلِمَ مِنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ.

[٣] {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن: ٣]

[٤ - ٥] {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ - أَلَمْ يَأْتِكُمْ} [التغابن: ٤ - ٥] يُخَاطِبُ كُفَّارَ مَكَّةَ، {نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التغابن: ٥] يَعْنِي الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ، {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} [التغابن: ٥] يَعْنِي مَا لَحِقَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التغابن: ٥] في الآخرة.

[٦] {ذَلِكَ} [التغابن: ٦] الْعَذَابُ، {بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: ٦] وَلَمْ يَقُلْ: يَهْدِينَا لِأَنَّ الْبَشَرَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ وَاحِدًا فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لفظه، وواحده إنسان، ومعناه يُنْكِرُونَ وَيَقُولُونَ آدَمِيٌّ مِثْلُنَا يَهْدِينَا، {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} [التغابن: ٦] عن إيمانهم، {وَاللَّهُ غَنِيٌّ} [التغابن: ٦] عن خلقه، {حَمِيدٌ} [التغابن: ٦] فِي أَفْعَالِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ.

[٧ - ٨] فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ} [التغابن: ٧] يَا مُحَمَّدُ، {بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ - فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} [التغابن: ٧ - ٨] وَهُوَ الْقُرْآنُ، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [التغابن: ٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>