للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةَ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، {كَادُوا} [الجن: ١٩] يَعْنِي الْجِنَّ، {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: ١٩] أَيْ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَزْدَحِمُونَ حِرْصًا عَلَى اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، هَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّفَرِ الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ مِنَ الْجِنِّ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ طَاعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتِدَائِهِمْ بِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بِالدَّعْوَةِ تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، وَتَظَاهَرُوا عَلَيْهِ لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ، وَيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَيُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ وينصره على سق ناوأه، وَأَصْلُ اللُّبَدِ الْجَمَاعَاتُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ اللِّبَدُ الَّذِي يُفْرَشُ لِتَرَاكُمِهِ وَتَلَبَّدَ الشَّعْرُ إِذَا تَرَاكَمَ.

[٢٠] {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} [الجن: ٢٠] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ (قل) على الأمر، قرأ الْآخَرُونَ (قَالَ) يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ جِئْتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَارْجِعْ عَنْهُ فَنَحْنُ نُجِيرُكَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي، {وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن: ٢٠]

[٢١] {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا} [الجن: ٢١] لَا أَقْدِرُ أَنْ أَدْفَعَ عَنْكُمْ ضررا، {وَلَا رَشَدًا} [الجن: ٢١] أي لا أسوق لكم أو إِلَيْكُمْ رَشَدًا، أَيْ خَيْرًا، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ يَمْلِكُهُ.

[٢٢] {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} [الجن: ٢٢] لن يمنعني منه أحد عَصَيْتُهُ. {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: ٢٢] مَلْجَأً أَمِيلُ إِلَيْهِ. وَمَعْنَى الْمُلْتَحَدِ أَيِ الْمَائِلِ، قَالَ السُّدِّيُّ: حِرْزًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُدْخَلًا فِي الْأَرْضِ مِثْلَ السِّرْبِ.

[٢٣] {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} [الجن: ٢٣] فَفِيهِ الْجِوَارُ وَالْأَمْنُ وَالنَّجَاةُ، قَالَهُ الْحَسَنُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: ذَلِكَ الَّذِي يُجِيرُنِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، يَعْنِي التَّبْلِيغَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ فَذَلِكَ الَّذِي أَمْلِكُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ. وَقِيلَ: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا لَكِنْ أُبَلِّغُ بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ فَإِنَّمَا أَنَا مُرْسَلٌ بِهِ لَا أَمْلِكُ إِلَّا مَا مُلِّكْتُ. {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الجن: ٢٣] وَلَمْ يُؤْمِنْ، {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: ٢٣]

[٢٤] {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} [الجن: ٢٤] يَعْنِي الْعَذَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {فَسَيَعْلَمُونَ} [الجن: ٢٤] عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} [الجن: ٢٤] أهم أم المؤمنين.

[٢٥] {قُلْ إِنْ أَدْرِي} [الجن: ٢٥] أَيْ مَا أَدْرِي، {أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ} [الجن: ٢٥] من العذاب وقيل. يوم الْقِيَامَةُ، {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} [الجن: ٢٥]

[٢٦ - ٢٧] {عَالِمُ الْغَيْبِ} [الجن: ٢٦] رفع على نعت أَجَلًا وَغَايَةً تَطُولُ مُدَّتُهَا يَعْنِي: أَنَّ عِلْمَ وَقْتِ الْعَذَابِ غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. قَوْلُهُ (رَبِّي) ، وَقِيلَ: هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ، {فَلَا يُظْهِرُ} [الجن: ٢٦] لَا يُطْلِعُ، {عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧] إِلَّا مَنْ يَصْطَفِيهِ لِرِسَالَتِهِ فَيُظْهِرَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْغَيْبِ لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ بِالْآيَةِ المعجزة التي تخبر عَنِ الْغَيْبِ، {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: ٢٧] ذِكْرُ بَعْضِ الْجِهَاتِ دَلَالَةً عَلَى جَمِيعِهَا رَصدًا أَيْ يَجْعَلُ بَيْنَ يديه وخلفه مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفَظُونَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ يَسْتَرِقُوا السَّمْعَ، وَمِنَ الْجِنِّ أَنْ يَسْتَمِعُوا الْوَحْيَ فَيُلْقُوا إِلَى الْكَهَنَةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: كَانَ اللَّهُ إِذَا بَعَثَ رَسُولًا أَتَاهُ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ مَلَكٍ يُخْبِرُهُ فَيَبْعَثُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ رَصَدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْرُسُونَهُ وَيَطْرُدُونَ الشَّيَاطِينَ، فَإِذَا جَاءَهُ شَيْطَانٌ فِي صُورَةِ مَلَكٍ أَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ فَاحْذَرْهُ، وَإِذَا جَاءَهُ مَلَكٌ قَالُوا لَهُ: هَذَا رَسُولُ ربك.

[٢٨] {لِيَعْلَمَ} [الجن: ٢٨] قَرَأَ يَعْقُوبُ لِيُعْلَمَ بِضَمِّ الْيَاءِ أي ليعلم الناس، {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا} [الجن: ٢٨] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ لَيَعْلَمَ الرَّسُولُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ أَبْلَغُوا، {رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الجن: ٢٨] أَيْ عَلِمَ اللَّهُ مَا عِنْدَ الرُّسُلِ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: ٢٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحْصَى مَا خَلَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>