للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ في المَأْثَمِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيْبٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَهُ القَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيْرُ (١) فِي "شَرْحِ المَذْهَبِ" وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ كَلَامٌ صَرِيْحٌ لِلأَصْحَابِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الأَئِمَّةِ المُتَأَخِّرِيْنَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ القَصْرُ للْعَامِدِ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذلِكَ بِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنَ الأَصْحَابِ فِي مَسَائِلَ، وَلَيْسَ لَهُ فِيْمَا ذَكَرَهُ حُجَّةٌ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ فِي هَذَا الكِتَابِ: أَنَّ حُكْمَ اقْتِدَاءِ بَعْضِ المَسْبُوْقِيْنَ بِبَعْضٍ فِيْمَا يَقْضُوْنَهُ مِنْ صَلَاتِهِمْ لَا فَرْقَ فِيْهِ بَيْنَ الجُمُعَةِ وَغَيْرِها، وَأَنَّ الخِلَافَ جَارٍ فِي الجَمِيْعِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ القَاضِي وَأَصْحَابُهُ مُوَافَقَةً للشَّافِعِيَّةِ (٢) أَنَّ الجُمُعَةَ لَا يَجُوْزُ ذلِكَ فِيْهَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لأنَّهَا لَا تُقَامُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي جَمَاعَتَيْنِ. قَالَ ابنُ البَنَّاءِ: وَفِي هَذَا عِنْدَنَا نَظَرٌ؛ لأنَّهُ يَجُوْزُ إِقَامَتُهَا مَرَّتَيْنِ، يَعْنِي للْحَاجَةِ. وَمِمَّا أَنْشَدَهُ السِّلَفِيُّ، عَن ابنِ أَبي الحُسَيْنِ الطُّيُوْرِيِّ أَنَّ ابنَ البَنَّاءِ أَنْشَدَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى البَدِيْهَةِ:

إِذَا غُيِّبَتْ أَشْبَاحُنَا كَانَ بَيْنَنَا … رَسَائِلُ صِدْقٍ فِي الضَّمِيْرِ تُرَاسِلُ

وَأَرْوَاحَنَا فِي كُلِّ شَرْقٍ وَمَغْرِبٍ … تَلَاقَى بِإِخْلَاصِ الوَدَادِ تُوَاصِلُ

وَثَمَّ أُمُوْرٌ لَوْ تَحَقَّقْتَ بَعْضَهَا … لَكُنْتَ لَنَا بِالعُذْرِ فِيْهَا تُقَابِلُ

وَكَمْ غَائِبٍ وَالقَلْبُ مِنْهُ مُسَالِمٌ … وَكَمْ زَائِرٍ فِي القَلْبِ مِنْهُ بَلَابِلُ

فَلَا تَجْزَعَنْ يَوْمًا إِذَا غَابَ صَاحِبٌ … أَمِيْنٌ فَمَا غَابَ الصَّدِيْقُ المُجَامِلُ


(١) مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ (ت: ٥٦٠ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
(٢) في (أ) و (ب): "للشَّافِعِيِّ".