للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابنِ الخَضرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الفَقِيْهُ، الإمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، المُتَفَنِّنُ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخُو الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّيْنِ.

وُلِدَ فِي حَادِيْ عَشَرَ مُحَرَّمٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَسِتِّمَائَةَ بِـ "حَرَّانَ". وَقَدِمَ مَعَ أَهْلِهِ إِلَى "دِمَشْقَ" رَضِيْعًا، فَحَضَرَ بِهَا عَلَى ابنِ أَبِي اليُسْرِ، وَغَيْرِهِ. ثُمَّ سَمِعَ مِنْ ابنِ عَلَّانَ، وَابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الخَيْرِ، وَمِنْ ابنِ أَبِي عُمَرَ،


= وكَانَ صَحِيْحَ الذِّهْنِ، قَوِيَّ النَّفْسِ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، لَيِّنَ الجَانِبِ لأَصْحابِهِ، كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، وَعَلَى ذِهْنِهِ أَشْيَاءٌ كَثِيْرَةٌ مِنَ التَّوَارِيْخِ وَأَخْبَارِ المُتَقَدِّمِيْنَ، عَارِفًا بِالأُمُوْرِ، كَثِيْرَ الإِنْصَافِ فِي البَحْثِ، لَا يَخْرُجُ عَنِ الحَقِّ، وَكَانَ فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ يَخْرُجُ مِنْ بيْتِهِ وَقْتَ السَّحَرِ، وَيَقْصِدُ فِي بعْضِ المَسَاجِدِ المَهْجُوْرَةِ ظَاهِرَ البَلَدِ وَبَعْضَ القَرَايَا إِلَى المَسَاءِ، وَيَعُوْدُ إِلَى بَيْتِهِ عِشَاءَ الآخِرَةِ فَيُفْطِرُ، وَغَالِبُ أَوْقَاتِهِ يَكُوْنُ صَائِمًا، وَلَا يَكَادُ يَفْتُرُ لِسَانُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَكَانَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ يَقْعُدُ فِي "مَسْجِدِ بَاشُوْرَةِ" بَابِ الجَابِيَةِ فَكُنْتُ أُوْصِي بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ "البَاشُوْرَةَ" يُعْلِمُونِي بِمَجِيْئِهِ إِلَى المَسْجِدِ المَذْكُوْرِ فَأَجِيءُ إِلَيْهِ، وَأَبُلُّ شَوْقِي مِنْهُ، وَأَتَحَدَّثُ مَعَهُ غَالِبَ النَّهَارِ، وَآخُذُ عِنْدَهُ أَخْبَارًا كَثِيْرَةً مِنْ أَحْوَالِ البِلَادِ، وَأَحْوالِ البَلَدِ وَالنَّاسِ، فَأَتَعَجَّبُ مِنْ ذلِكَ؛ كَوْنُهُ مُنْقَطِعٌ عَنِ النَّاسِ وَعِنْدَهُ أَخْبَارُهُمْ عَلَى الصِّحَّةِ، وَكَانَ مُعْرِضًا عَنِ المَنَاصِبِ وَالرِّئَاسَةِ، مُتَقَنَّعًا بِاليَسِيْرِ، وَمَعَ ذلِكَ كُنْتُ أَرَاهُ يَتَصَدَّقُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِيْنِ، وَكَانَ فِيْه النَّفْعُ المُتَعدِّيْ إِلَى أَكْثَرِ النَّاسِ.
سَمِعَ مِنِ [ابْنِ] البُخَارِيِّ، وَالشَّيْخِ شَمْسِ الدِّيْنِ بْنِ أَبِي عُمَرَ، وَابْنِ أَبِي اليُسْرِ، وَأَكْثَرِ مَشَايخِنَا، وَحَدَّثَ، وَكَانَ فِي النَّحْوِ وَالعَرَبِيَّةِ إِمَامٌ كَبِيْرٌ، اشْتَغَلَ عَلَيْهِ وَلَدِي إِبْرَاهِيْمَ، كُنْتُ آخُذُهُ وَأَرُوْحُ إِلَيْهِ عَشَاءَ الآخِرَةِ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنَّنِي آخُذُ النَّحْوَ فِي لُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ أَخَذْتُهَا وَوَضَعْتُهَا فِي فَمِ إِبْرَاهِيْمَ وَغَيْرِهِ مِنَ المُشْتَغِلِينَ، فَكَانَ يُسَهِّلُ لَهُ طَرِيْقَ الشَّرْحِ، وَيَذْكُرُ لَهُ أَسْهَلَ الطُّرُقِ، وَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ بَرَكَةٌ عَظِيْمَةٌ مِنَ الخَيْرِ، وَالصَّوْمِ، وَالذِّكْرِ، وَالخُلُقِ الحَسَنِ الجَمِيْلِ، قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيْحَهُ".