للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأَمَّا شَجَاعَتُهُ: فَبِهَا تُضْرَبُ الأَمْثَالِ، وَبِبَعْضِهَا يَتَشَبَّهَ أَكَابِرُ الأَبْطالِ. وَلَقَدْ أَقَامَهُ اللهُ تَعَالَى فِي نَوْبَةِ غَازَانَ، وَالْتَقَى أَعْبَاءَ الأَمْرِ بِنَفْسِهِ، وَقَامَ وَقَعَدَ وَطَلَعَ، وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَاجْتَمَعَ بالمَلِكِ - يَعْنِي غَازَانَ - مَرَّتَيْنِ، وَبِقَطْلُوْشَاه، وبُولَاي، وَكَانَ قَيْجَقُ يَتَعَجَّبُ مِنْ إِقْدَامِهِ وَجَرَائَتِهِ عَلَى المَغُوْلِ (١). وَلَهُ حِدَّةٌ قَوِيَّةٌ تَعْتَرِيْهِ فِي البَحْثِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْثُ حَرْبٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنَبِّهُ مِثْلِي عَلَى نُعُوْتهِ، وَفِيْهِ قِلَّةُ مُدَارَاةٍ، وَعَدَمُ تُؤَدَةٍ غَالِبًا، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ. وَلَهُ إِقْدَامٌ وَشَهَامَةٌ، وَقُوَّةُ نَفْسٍ، تُوْقِعُهُ فِي أُمُوْرٍ صَعْبَةٍ، فَيَدْفَعُ اللهُ عَنْهُ.


(١) قَالَ ابْنُ فَضْلِ اللهِ العُمَرِيُّ: "وَلَمَّا قَدِمَ غَازَانُ "دِمَشْقَ" حَرَجَ إِلَيْهِ ابنُ تَيْمِيَّةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ صُلَحَاءِ الدَّمَاشِقَةِ، مِنْهُمْ القُدْوَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ قِوَامٍ، فَلمَّا دَخَلُوا عَلَى غَازَانَ كَان مِمَّا قَالَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ لِلْتُّرْجُمَانِ: قُل لِلْقَانِ: أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ مُسْلِمٌ، وَمَعَكَ قَاضٍ، وَإِمَامٌ، وَشَيْخٌ وَمُؤَذِّنُوْنَ - عَلَى مَا بَلَغَنَا - فَغَزَوْتَنَا، وَأَبُوْكَ وَجَدُّكَ هُوْلَاكُو كَانَا كَافِرَيْنِ وَمَا عَمِلَا الَّذِي عَمِلْتَ، وَعَاهَدَا فَوَفَيَا، وَأَنْتَ عَاهَدْتَ فَغَدَرْتَ، وَقُلْتَ فَمَا وَفَيْتَ …
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا قَاضِي القُضَاةِ أَبُو العَبَاسِ بْنُ صَصْرَى إِنَّهُمْ لَمَّا حَضَرُوا مَجْلِسَ غَازَانَ قُدِّمَ لَهُمْ طَعَامٌ فأَكَلُوا مِنْهُ إِلَّا ابْنَ تَيْمِيَّةَ، فَقِيْلَ لَهُ لِمَ لَا تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ آكُلُ مِنْ طَعَامِكُمْ وَكُلُّهُ مِمَّا نَهَبْتُمْ مِنْ أَغْنَامِ النَّاسِ، وَطَبَخْتُمُوْهُ مِمَّا قَطَعْتُمْ مِنْ أَشْجَارِ النَّاسِ؟! ثُمَّ إِنَّ غَازَانَ طَلَبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ فَقالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَاتَلَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، وَجِهَادًا فِي سَبِيْلِكَ فَإِنْ تُؤَيِّدُهُ وَتَنْصُرُهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُلْكِ وَالدُّنْيَا وَالتَّكَاثُرِ فَإِنْ تَفْعَلَ بِهِ وَتَصْنَعُ، وَيَدْعُو عَلَيهِ، وَغَازَانُ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، وَنَحْنُ نَجْمَعُ ثِيَابَنَا خَوْفًا أَنْ يُقْتَلَ فَيُطَرْطِشَ بِدَمِهِ، ثُمَّ لَمَّا خَرَجْنَا قُلْنَا لَهُ: كِدْتَ تَهْلِكُنَا مَعَكَ، وَنَحْنُ مَا نَصْحَبُكَ مِنْ هُنَا، فَقَالَ: وَلَا أَنَا أَصْحَبُكُمْ. . .".