للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الله بْنُ أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيُّ (١)، وَنَقَلتُهُ مِن خَطِّهِ قَالَ: كَانَ شَيْخُنَا عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ يَقُوْلُ: الخَلْقُ حِجَابُكَ عَنْ نَفْسِكَ، وَنَفْسِكَ حِجَابُكَ عَنْ رِبِّكَ، مَا دُمْتَ تَرَى الخَلْقَ لَا تَرَى نَفْسَكَ، وَمَا دُمْتَ تَرَى نَفْسَكَ لَا تَرَى رَبَّكَ، وَقَالَ: مَا ثَمَّ إِلَّا خَلْقٌ وَخَالِقٌ، فَإِنِ اخْتَرْتَ الخَالِقَ فَقُلْ كَمَا قَالَ (٢): {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧)} ثُمَّ قَالَ: مَنْ ذَاقَهُ فَقَدْ عَرَفَهُ، فَاعْتَرَضَهُ سَائِلٌ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي، مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ مَرَارَةُ الصَّفْرَاءِ كَيْفَ يَجِدُ حَلَاوَةَ الذَّوْقِ؟ قَالَ: يَتَعَمَّدُ قَيْئَ الشَّهَوَاتِ مِنْ قَلْبِهِ، وَقَالَ: طَالَبَتْنِي نَفْسِي يَوْمًا بِشَهْوَةٍ مِنَ السُّوْقِ، فَكُنْتُ أُدَافِعُهَا، وَأَخْرُجُ مِنْ دَرْبٍ إِلَى دَرْبٍ، وَأَطْلُبُ الصَّحَارَى. فَبَينَا أَنَا أَمْشِي إِذْ رَأَيْتُ وَرَقَةً فَأَخَذْتُهَا، فَإِذَا فِيْهَا مَكْتُوبٌ مَا لِلأَقْوِيَاءِ وَالشَّهَوَاتِ؟ إِنَّمَا هِيَ لِلْضُّعَفَاءِ منْ عِبَادِي، لِيَتَقَوَّوا بِهَا عَلَى طَاعَتِي، فَخَرَجَتْ تِلْكَ الشَّهْوَةِ مِنْ قَلْبِي، قَالَ: وَكُنْتُ أَقْتَاتُ بِخَرْنُوْبِ الشَّوْكِ، وَقُمَامَةِ البَقْلِ، وَوَرَقِ الخَسِّ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ وَالشَّطِّ، وَبَلَغَتِ الضَّائِقَةَ فِي غَلَاءٍ نَزَلَ بِـ "بَغْدَادَ" إِلَى أَنْ بَقِيْتُ أَيَّامًا لَمْ آكُلْ فِيْهَا طَعَامًا، بَلْ كُنْتُ أَتَتَبَّعُ المَنْبُوذَاتِ أَطْعَمُهَا، فَخَرَجْتُ يَوْمًا مِنْ شِدَّةِ الجُوْعِ إِلَى الشَّطِّ لَعَلِّي أَجِدُ وَرَقَ الخَسِّ أَوِ البَقْلِ، أَوْ غَيْرَ ذلِكَ فَأَتَقَوَّتُ بِهِ، فَمَا ذَهَبْتُ إِلَى مَوْضِعِ إِلَّا وَغَيْرِي قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدْتُ أَجِدُ الفُقَرَاءَ


(١) في (ط): "الجبالى" تَحْرِيْفٌ. وَالجُبَّائِيُّ المذْكُوْرُ ابنُ أَخِي دَعْوَانَ (ت: ٥٤٢ هـ) الَّذِي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ - فِيْمَا أَظُنُّ -، وَاللهُ أَعْلَمُ.
(٢) سورة الشُّعراء، الآية: ٧٧.