للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العَطَنِ فِي تَصَانِيْفِهِ لَا يُتِمُّهَا، وَإِنَّ كَلَامَهُ كَانَ أَجْوَدَ مِنْ قَلَمِهِ. وَكَانَ ابنُ الخشَّابِ يَكْتُبُ خَطًّا حَسَنًا، وَيَضْبِطُ ضَبْطًا مُتْقِنًا، فَكَتَبَ كَذلِكَ كَثِيْرًا مِنَ الأَدَبِ وَالحَدِيثِ وَسَائِرِ الفُنُوْنِ، وَحَصَّلَ مِنَ الكُتُبِ وَالأُصُوْلِ وَغَيْرِهَا مَالَا يَدْخُلُ تَحْتَ الحَصْرِ، وَمِنْ خُطُوْطِ الفُضَلَاءِ وَأَجْزَاءِ الحَدِيثِ شَيْئًا كَثِيْرًا. وَذَكَرَ ابنُ النَّجَّارِ: أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَأَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِلَّا وَكَانَ يَشْتَرِيْ كُتُبَهُ كُلَّهَا، فَحَصَلَتْ أُصُوْلُ المَشَايِخِ عِنْدَهُ. وَذَكَرَ عَنْهُ: أَنَّهُ اشْتَرَى يَوْمًا كُتُبًا بِخَمْسِمَائَةِ دِيْنَارٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَاسْتَمْهَلَهُمْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَضَى وَنَادَى عَلَى دَارِهِ، فَبَلَغَتْ خَمْسِمَائَةِ دِيْنَارٍ، [فَنَقَضَ سَاجَهَا] (١) وَبَاعَهُ بِخَمْسِمَائَةِ دِيْنَارٍ، وَوَفَّى ثَمَنَ الكُتُبِ (٢)، وَبَقِيَتْ لَهُ الدَّارُ، وَلَمَّا مَرِضَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِوَقْفِ كُتُبَهُ، فَتَفَرَّقَتْ وَبِيْعَ أَكْثَرُهَا، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا عُشْرَهَا، فتُرِكَتْ فِي رِبَاطِ "المَأْمُوْنِيَّةِ" (٣) وَقْفًا.

وَقَرَأَ عَلَيْهِ الخَلْقُ الكَثِيْرُ الحَدِيْثَ وَالأَدَبَ، وَانْتَفَعُوا بِهِ وَتَخَرَّجَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَسَمِعَ مِنْهُ كِبَارُ الأَئِمَّةِ، وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ مِنَ الحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ الأَخْضَرِ يَقُوْلُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ: (ثَنَا) حُجَّةُ الإِسْلَامِ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ الخَشَّابِ، وَكَذلِكَ يَقُوْلُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنَ المَقْدَسِيُّ فِي تَصَانِيْفِهِ


= في النَّحْوِ، يَنْقُلُ عَنْهُ ابنُ إِيَازٍ البَغْدَادِيُّ فِي "قَوَاعِدِ المُطَارَحَةِ" لَهُ.
(١) في (ط): "فَنَقد صَاحِبها".
(٢) سَيَأتِي نَحْوَ ذلِكَ فِي تَرْجَمَةِ عَلَاءِ الدِّيْنِ الهَمَذَانِيِّ العَطَّارِ (ت: ٥٦٩ هـ)
(٣) مِنْ أَحْيَاءِ "بَغْدَادَ" تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.