للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في السلك، أو رحيق مختوم ختامه مسك، وذلك أنه أبدى الضياء والدجى ما هو للعين قرة، فكلما أسفر ذاك عن بياض الغرة، قابله هذا بسواد الطرة، ثم استنجد كل منهما صاحبه، بعد أن رشق خصمه بسهام صائبة. وإذا بالليل حمل على النهار، فجعل حمرة وردته كصفرة البهار. وخطر يجر ذيول تيهه وعجبه، مرصعاً تيجان مفاخره بدرر شهبه، وقد كساه بدر الكمال برد الجمال، ولوائح الهيبة والجلال، تلوح عليه في ذلك المجال، فصدر النقول بأحاسن رواياته، وحير العقول بمحاسن كناياته. ثم قال: " والليل إذا يغشى " " إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " ففتح باب المفاضلة في هذا الفصل، وعقد أسباب المناضلة بقوله الفصل، فإن الحرب أولها كلام، ثم تنجلي عن قتيل أو رهين كلام. فانتدب إليه النهار، ممتطياً صهوة الفخار، وقد ازورت مقلتاه، واحمرت وجنتاه، وصاح إذا أديرت كؤوس المنايا، أنا ابن جلا وطلاع الثنايا فأدهش الأفكار بعظيم وثباته، ورسوخ قدمه في الهيجاء وثباته، وتقدم في ذلك الميدان وجلى، مترنماً بقوله تعالى: " والنهار إذا تجلى " واستدل على كماله من الفرقان بسورة النور، والشمس ترسم آية جماله بالذهب على رقه المنشور، ولما استوى على عرش سنائه، واطلع أنوار طلعته في أرضه وسمائه، أعرب عن مكنون الحقائق، وأغرب في كشف الأسرار والدقائق، فابتدر إليه الليل، ومال عليه كل الميل، وجعل النجوم له رجوما، وما غادر من مغانيه إطلالاً ولا رسوما، ثم صعد على منبره ثانياً، وقد أمسى الفخر لعطفه ثانيا، وقال: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً " فأسدى إلي من عوارفه براً ونيلاً، أحمده على أن جعلني خلوة للأحباب، وجلوة لعرائس العرفان بين أولي الألباب، وخلقني مثوى لراحة العباد، ومأوى لخدمة المقربين والعباد، أتردد على أرباب المجاهدة بفنون الغرائب، وأتودد إلى أصحاب المشاهدة بعيون الرغائب، تدور عليه مبدور الإنس والسمر،

<<  <   >  >>