للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحييهم بشذا نفحاتها نسمات السحر، فأحيان وصلي بالتهاني مقمرة، وأفنان فضلي بالأماني مثمرة:

وما الليل إلا للمجد مطية ... وميدان سبق فاستبق تبلغ المنى

فوجم النهار لبراعة عبارته، وبلاغة معنى رمزه وإشارته، وتنفس الصعداء بنفح الصبا في الصباح، فأطفأ بأنفاسه العاطرة نور المصباح، ثم خرج للمبارزة من بابها، إذ كان من فرسانها وأربابها، فشمر للحرب العوان، غير ناكل ولا وان، ناشراً راية مجده البيضاء، وأسنته لامعة بين الخضراء والغبراء، وقال له أيها الليل، هلا قصرت من إعجابك الذيل، ولئن دارت رحى الحرب، واستعرت نار الطعن والضرب، فلأبرزن مخدراتك وهي عن الوجوه حاسرة، وأنت تتلو " تلك إذاً كرة خاسرة " وهل دأبك إلا الخداع والمكر، وترقب الفرصة وأنت داخل الوكر، إن كنت تجمع المحب بالحبيب، إذا جار عليه الهوى وحار الطبيب، فكن يقاسي منك في هاجرة الهجر، ويئن أنين الثكلى حتى مطلع الفجر.

ولله در القائل:

اقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع

نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع

وإن كنت مغنى الأنس والراحة، تفعل بعقول الناس فعل الراحة، فهل حسبت أن السكون خير من الحركة، وقد أجمع العالم أن الحركة بركة، وإن افتخرت ببدرك الباهر الباهي، فإنما تنافس بوزير شمس وتباهي، وهل له عند إشراق بهجتي من نور، أو لطلعته من خدور البطون ظهور، فأنشدك الله أينا أحق بالفخر، فقد حصحص الحق ووضح الفجر، أما لك في قوله تعالى بينة وتبصرة " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " وهل يستوي الأعمى والبصير والظلمات والنور، أم هل يستوي الأحياء وأصحاب القبور، ولقد أبدع من قال:

لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي

<<  <   >  >>