للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب، كيف تعيرني بلون السواد، وهل يقبح السواد إلا في الفؤاد، أم كيف تعيبني بالخداع والحرب خدعة، مع أنك تعلم أني في عز ومنعة، أما تشهد الأنام من هيبتي حيارى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى فأنا البطل الذي لا يصطلى لي بنار، ولا يؤخذ لقتيلي مدى الدهر بثار، فكم أرقت أسوداً كاسرة، وأرقت دماء ووجوه يومئذ باسرة، وكم أوريت نار الوغى تحت العجاج، وقد اكفهرت الوجوه واغبرت الفجاج، وليت شعري أنى لك بالحياة دون الورى، والحي من أحياه الله ولو كان تحت أطباق الثرى:

ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيباً ... كاسفاً باله قليل الرجاء

وافتخارك بالصلاة الوسطى، ليس إنصافاً منك ولا قسطاً، وهب أنك انفردت بتلك الصلاة، فأين أنت مما اشتملت عليه من وافر الصلات، أما علمت أن الركعة في تضاعف أجورها، ويعظم فضلها ويزهو نورها، وهل فرضت في زمنك منها فريضة، حتى تطاولت علي بدعواك الطويلة العريضة:

وما أعجبتني قط دعوى عريضة ... ولو قام في تصديقها ألف شاهد

وأما افتخارك بفضيلة شهر رمضان، وما نزل فيه من السبع المثاني والقرآن، فهل صح لك صيامه إلا بي بدأ وختاماً، وقد اختصصت بإحياء لياليه تهجداً وقياماً، على أني محل النية ونية المرء خير من عمله، لأنها بمثابة الروح له وبها يحظى الراجي ببلوغ أمله، فكيف تدعي التفرد بجمع فنون المجد والفضل. ولم تخف يوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل، هل في مطالع سعودك أشرقت بدور العيدين، أم على جناح جنحك أسرى بنور طلعة الكونين، وهل في أسحارك يقول الرب هل من سائل، ويجود على أهل مناجاته بأعظم الوسائل، أم فيك نزل الكتاب المنزه

<<  <   >  >>