للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملوك، وادعى مقام الوصول صاحب السير والسلوك، طالما منحته جميل ستري، وهو لا يبالي بهتك أستاري، وأودعت سره في خزانة سري، وهو يبوح بمصون أسراري، أف له من فاضح، أما يكفيه ما فيه من الفضائح:

انمّ بما استودعته من زجاجة ... يرى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن

وعلام جعل السواد على النقص علامة وهو مشتق من السؤدد لدى كل علامة، أما درى أني حزت من الكمال الحظ الأوفر حتى تحلى بوصف العنبر والمسك الأذفر، وهل يزري بالخال سواده البارع، أو يغري بالبرص بياضه الناصع، وفي لون المشيب عبرة وأي عبرة، فكم أجرت من الآماق أعظم عبرة، فما كل بيضاء شحمة، ولا كل حمراء لحمة، على أن السواد حلية أهل الزهد والصلاح، وهل يسترق الأسود أحداق الملاح، بيد أن الحر لا يبالي بالجمال الظاهر، وإنما يباهى بالفعل الجميل والقلب الطاهر، ثم أنشد، وزفيره يتصعد:

وما الحسن في وجه الفتى شرف له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق

فأفاض النهار، في حديث يفضح الأزهار، وقال ما أشبه الليلة بالبارحة، والغادية بالرائحة، كم تدعي يا هذا أعلا المقامات، وأنت كثيف الحجاب أسير المنامات، وهل يقرن أوقات الغفلة بأوقات الحضور، إلا من ليس له في الحقيقة أدنى شعور، إنك لفي واد وأنا في واد، ولكم بين لئيم وجواد، تجمع بين المعشوق والعاشق، وتسترهما بردائك عن الرقيب والطارق، ولقد قال مترجماً عن ذلك من سلكت به هاتيك المسالك:

بتنا على حال يسر الهوى ... وربما لا يمكن الشرح

بوابنا الليل وقلنا له ... إن غبت عنا هجم الصبح

وهل يترنم بذكرك إلا غافل، وأنى يغتر بك عاقل ونجمك آفل، وقد قدمت أني لك فاضح، وماذا علي في ذلك والحق أبلج واضح،

<<  <   >  >>