للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموصوف بهذه الأوصاف المذكورة، والنعوت الغير المحمودة والمشكورة، فأفتخر بجدي وأبي، وبنجاري ونسبي، لا بأدبي ونشبي، فرونق الأخلاف بالأسلاف، وإن طابت تربة الكرم تحسن السلاف، والذنب اختلاجه بسلامة الرأس، والبناء لا يقوم إلا بالأساس، والأفق الصافي لا يطلع إلا زهرا، والتربة الطيبة لا تنبت إلا زهرا، وبصحو الجو بصحو النهار، ومتى عذبت العيون تصفو الأنهار:

شمس كأن عليه من شمس الضحى ... نوراً ومن فلق الصباح عمودا

وناهيك بهذا البيت، الخالي عن لو النقائص والليت، فقد خرج منه رجال وأي رجال، يضيق عن حصر أوصافهم كل مجال، خضعت لهم من الأقيال شم الأنوف والمعاطس، وتناولوا من المعالي والمفاخر ما لا تلامسه كف ملامس، أضاء بدر علاهم وأشرق، ونجم نجم هداهم وتألق، إن حرروا حرروا رقاب المعاني، وإن حبروا ذلت لهم أعناق المباني، فمآثرهم حسنات ظاهرة، وأنفاسهم زكية طاهرة، فكم سفر أودعوه حكماً نبوية، وكم من علم حققوا دقائقه اللفظية والمعنوية، لم تخل أناتهم برهة عن طاعة، ولا عن اجتهاد فوق الاستطاعة، رجال لا تلهيهم تجارة، ولا تفي بوصف محاسنهم عبارة، ولا يشق أحد لأحد منهم غباره، أحاطوا بالفضل إحاطة الهالة بالبدر، وافتخر بهم المجد افتخار الليالي بليلة القدر:

قوم إذا ذكروا لم تلق بينهم ... إلا هماماً تردى المجد واتزرا

صيد غطارفة غر لبابهم ... تأوي الصناديد والحكام والوزرا

إلى أن قال: وأما إيضاح حالي في إقامتي وترحالي، وذكر شيوخي والأساتذة، ومن تخرجت عليه بالفنون من الجهابذة، وتقلباتي مع الدهر في كل آن وشهر، وذكر تلاعب الأيام بي، وصرفي لردع بوائقها اجتهادي وتعبي، وذكر ما وليت من المناصب العالية، والرتب الشامخة السامية، وما حباني الله به من النعم والدولة، والحشمة والجاه والصولة،

<<  <   >  >>