للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اشتهر برقة المعاني كلامه الفائق، ورقى فوق ذروة الفصاحة حسن انسجامه الرائق، قد حضر دروس العلماء الدمشقيين، وشهدوا له بالفضل والقدر المكين، وابتهج به ذوو المعارف، وأقروا له بالفضائل والعوارف، وكان حسن النظم والنثر، قد فاق أهل زمانه بما ألقاه من بديع الشعر، وله المقطعات العجيبة المباني، التي لم يسبق لها مثيل في جزالة الألفاظ ولطافة المعاني، استعمل فيها الكلمات المألوفة في هذا الزمان، التي تطرب لسماعها القلوب والآذان، ولا بدع فناظمها هو العالم النحرير، والشاعر الشهير، لبيب عصره، وأديب قطره فضلاً عن مصره، منور الأفكار ببلاغته، ومزين الألفاظ ببراعته، قد خلع عليه الصفي صفاه، وتبعه المتنبي ورجع عن مدعاه، ولد بمدينة حمص الشهيرة، ونشأ بها في طلب العلوم، وتحقيق المنطوق والمفهوم، ثم صار يتردد إلى دمشق الشام، ويقرأ على علمائها الأعلام، وأخذ وتلقى وقرأ على قطب زمانه، ومرشد أقرانه، السيد الشيخ عمر اليافي، قدس الله سره الوافي، فحل عليه نظره التام، حتى قال له اذهب فأنت أشعر أهل الغرام، فصار الشعر فيه سجيه، والبلاغة له عطية، ينظم القصائد المفيدة، والقدود الفريدة، والموشحات النضيدة، والمقاطيع السديدة، والمواليات العديدة، فسارت الركبان بكلامه، وتزينت المجالس بنظامه، فيا له من ماهر ألبس الدهر أحسن أثوابه، وأنفق الدر الثمين على أقرانه وأحبابه، فصار مفرداً في نظامه، معدولاً إلى بديع كلامه.

وفي سنة ست وأربعين ومائتين وألف أتى إلى حمص عامل من قبل السلطان محمود خان، وما لبث أن وشى إليه بصاحب الترجمة بعض أعوانه أنه هجاه، وقال عليه ما لا يرضاه، فأمر بنفيه وإخراجه من حمص بحال الذل والقهر، وبلغ الشيخ أمين خبر هذا الأمر، ففر هارباً إلى مدينة حماه، وظن أنها تكون مكان حفظه وحماه، وعلم العامل بفراره، فأرسل في طلبه جماعة من أنصاره، فقبضوا عليه في الطريق، وأرسلوا الخبر إلى العامل،

<<  <   >  >>