للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأهالي برؤيته المأنوسة، وذلك في حدود عام خمسة وثلاثين، ولازم والده إلى أن توفي عام تسعة وثلاثين، وقد ناهز والده من العمر ثمانين فورث حال أبيه الغني فضله عن الإطراء والتنويه، ولا شك أن الولد سر أبيه، وواظب بعد والده على الإقراء والتدريس، وقرت به عين كل فاضل وجليس، فانتفع به كثير من الطلاب، وفاقوا ببركة أنفاسه على الأقران والأتراب، وولي وظيفة الفتوى بيافة المحمية، على مذهب السادة الحنفية، بمنشور من مقام المشيخة الكبرى في الدولة العثمانية، وذلك في حياة والده سنة ست وثلاثين، واستمر بخدمة الفتيا ما ينوف عن أربعين، متحلياً بالورع والتقوى، متحرياً الصواب وما عليه الفتوى، وكانت الأسئلة ترد إليه من أقصى البلاد، لما اشتهر عنه من العفة وسلوك منهج السداد، وكانت فتواه نافذة في الآفاق، وهو المرجع عند الاختلاف والشقاق، وكان منهلاً لكل قاصد ورائم، عاملاً بعلمه لا يخشى في الله لومة لائم، محباً للعلماء والأشراف، ولا يحب أن يأكل مرة إلا مع الأضياف، وكثيراً ما كان يترنم بما قيل، من بديع الأقاويل، مما يدل على حالته، وانفراده في جوده وسماحته.

لا مرحباً بالليل إن لم يأتني ... في طيه ضيف ملمٌ نازل

والصبح إن وافى فلا أهلاً به ... إن كان عندي فيه ضيف راحل

والحاصل أنه كان مطبوعاً على المعروف والخير، مجبولاً على المساعدة ودفع الضير، حسن الظن والاعتقاد، بكل حاضر وباد، كثير النصيحة والفوائد، جديراً بالعطايا والعوائد، عظيم الهيبة، كري الشيبة، مجلسه محفوظ من الهزل المخل والفحش والهذيان، لا تخلو أوقاته من الكتابة والإفادة والمراجعة والتحرير في كل آن، وكان متعلقاً بتعمير الجوامع والمساجد، وكان زاهداً في الدنيا معرضاً عما فيها من الحطام، قانعاً بما تيسر من اللباس والطعام، كثير التحمل، صادق التوكل، عريض الجاه بين الورى،

<<  <   >  >>