للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ارتعاد المحموم، كأنه دنا أجله المحتوم، فما مضى برهة، إلا سمع كلاماً من خارج الحجرة، فأصغى بسمعه لذلك، فسمع رجلاً يقول والله لأذيقنه غصص المهالك، أين هو لأذيقه النكال والجحيم، قالت هو في هذه الحجرة مقيم. فقام الشيخ وقد عدم الاقتدار، وأخذ يجمع متاع الحجرة باليمين واليسار، ويضع جميع ذلك وراء الباب، وجعل ذلك لمنع دخول من سمعه من أكبر الأسباب، فما رأى إلا يداً قد امتدت إلى داخل الحجرة وفتحت الأقفال، ودفعت جميع ما كان وراء الباب بغاية الاستعجال، ثم فتح الباب ودخل، وقال يا بنتي أهذا الذي حصل منه ما حصل، فقالت نعم يا مولاي، هذا الذي ضربني وأوهن قواي، فقال اصبري وانظري إليه، وتأملي ما يجري عليه. ثم أمر بجماعة فأحضروا بين يديه، فصار يضرب أعناقهم واحداً بعد واحد، وينظر إلى الشيخ ويلقي القتلى عليه، حتى امتلأت الحجرة ولم يبق بها مكان، قال لابنته: ما تريدين أن أفعل الآن؟ فاقترحي علي، واتركي الأمر إلي. فقالت: يا أبت يكفيه ما وقع الآن، وإن عاد باء بالنكال والخسران. ثم آب من حيث حضر، والشيخ قد غاب عن إدراكه وصار حاله عبرة لمن اعتبر، فلما علا النهار تفقدوه، فلم يقعوا عليه ولم يجدوه، فنظروا من خصاص الباب إليه، فوجدوه ملقى وإشارات الموت عليه، فاختلعوا الباب في الحال، بعد أن كسروا الأقفال، واحتملوا الشيخ إلى بيته وهو عن إدراكه ذهلان كأنه في بحران، فحضر عنده شيخه المترجم إلى بيته وهو عن إدراكه ذهلان كأنه في بحران، فحضر عنده شيخه المترجم ذو القدر المصون، وعلق عليه تميمة وقرأ عليه شيئاً من الكلام القديم ذي السر المكنون، فقام في الحال، كأنما نشط من عقال. وكانت تعاوده هذه البنت من بعيد وتقول له ارم الحجاب وإلا قتلتك من غير ارتياب، فيشكو لشيخه فيقول له إياك أن تسايرها في ذلك، فتوقعك في الشدائد

<<  <   >  >>