للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَهَادَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَسَعْدِ بْنِ معاذ، وجماعة من الصحابة فراج على من جهل السنة، وظنوا صحته، فأجروا حكمه حتى ألقي إلى شيخ الإسلام، وطلب منه أن يعين على تنفيذه، فَبَصَقَ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ بِعَشَرَةِ أَوْجُهٍ.

منها أن سعدا توفي قبل خيبر.

ومنها أن الجزية لم تكن نزلت بعد.

ومنها أنه أسقط عنهم الكلف والسخر، ولم يكونا في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ وَضْعِ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ، وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهَا.

وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَمْ يذكره أحد من أهل العلم، لا من أهل السير ولا من أهل الحديث، ولا غيرهم، وَلَا أَظْهَرُوهُ فِي زَمَانِ السَّلَفِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ يعرفون كذبه، فلما خفيت السنة زوّروا ذلك، وساعدهم طَمَعُ بَعْضِ الْخَائِنِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَسْتَمِرَّ، حَتَّى كَشَفَ اللَّهُ أَمْرَهُ، وَبَيَّنَ خُلَفَاءُ الرُّسُلِ بطلانه وكذبه، ولم يأخذ الجزية من عبّاد الأصنام، فقيل: لا تؤخذ من كافر غير هؤلاء، ومن دان دينهم اقتداء بأخذه وتركه، وقيل: تؤخذ من عبدة الْأَصْنَامِ مِنَ الْعَجَمِ دُونَ الْعَرَبِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشافعي وأحمد في رواية.

والثاني: قول أبي حنيفة وأحمد في أخرى، ويقولون: لم يأخذها من العرب، لأنها فرضت بعد إسلامهم، ولم يَبْقَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُشْرِكٌ، وَلِهَذَا غَزَا بَعْدَ الفتح تبوك، وَلَوْ كَانَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُشْرِكُونَ لَكَانُوا يَلُونَهُ، وَكَانُوا أَوْلَى بِالْغَزْوِ مِنَ الْأَبْعَدِينَ، وَمَنْ تَأَمَّلَ السِّيَرَ وَأَيَّامَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، قالوا: وقد أخذها من المجوس، ولا يصح أن لهم كتابا ورفع، ولا فرق بين عبّاد الأصنام، وعبّاد النار بل أهل الأوثان فِيهِمْ مِنَ التَّمَسُّكِ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ مَا لَمْ يكن في عبّاد النار، وعلى هذا تدل السنة كما في " صحيح مسلم ": «إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى إحدى ثلاث» إلى آخره. . (١) .

وَقَالَ المغيرة لِعَامِلِ كِسْرَى: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا أَنْ نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُرَيْشٍ: «هَلْ لَكُمْ فِي كَلِمَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي الْعَجَمُ إِلَيْكُمْ بِهَا الْجِزْيَةَ؟ قَالُوا: مَا هِيَ؟ قال: لا إله إلا الله» .

وصالح أهل نجران على ألفي حلة وَعَارِيَّةٍ، ثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وثلاثين


(١) انظره بتمامه في " صحيح مسلم " (١٧٣١) في الجهاد والسير: باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث.

<<  <   >  >>