للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رمضان، وأقام بمكة تسع عشر ليلة، ثم خرج إلى هوازن وقاتلهم وفرغ منه، ثم خرج إلى الطائف فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة أو ثمان عشر في قول ابن سعد، فإذا تأملت ذلك عرفت أَنَّ بَعْضَ مُدَّةِ الْحِصَارِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ولا بد، لكن قَدْ يُقَالُ: لَمْ يَبْتَدِئِ الْقِتَالَ إِلَّا فِي شوال، ويجاب بأنه لا فرق بين الابتداء والاستدامة.

ومنها جواز غزو الرجل وأهله معه؛ لأن مَعَهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أم سلمة وزينب، وَمِنْهَا جَوَازُ نَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْكُفَّارِ وَرَمْيِهِمْ بِهِ، وَإِنْ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ مَنْ لَمْ يقاتل من النساء والذرية، ومنها قطع شجرهم إذا كان يضعفهم ويغيظهم.

ومنها أن العبد إذا أبق وألحق بالمسلمين صار حرا، حكاه ابن المنذر إجماعا، ومنها أن الإمام إذا حاصر حصنا، ورأى المصلحة في الرحيل فعل، ومنها أنه أحرم من الجعرانة بالعمرة، وهي السنة لمن دخلها من الطائف، وأما الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْجِعِرَّانَةِ لِيُحْرِمَ مِنْهَا بعمرة فلم يستحبه أحد من أهل العلم.

ومنها كمال رأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم في دعائه لثقيف بالهدى، وقد حاربوه وقتلوا جماعة من أصحابه، وقتلوا رسوله إليهم، ومنها كمال محبة الصديق له، ومحبة التقرب إليه بكل ممكن، وهذا يدل على جواز سؤال الرجل أَخَاهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِقُرْبَةٍ مِنَ الْقُرَبِ، وَأَنَّهُ يجوز له ذلك، وقول من قال: لا يجوز لا يصح، وقد آثرت عائشة عمر بدفنه في بيتها، وسألها ذَلِكَ فَلَمْ تَكْرَهْ لَهُ السُّؤَالَ، وَلَا لَهَا البذل.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْقَاءُ مَوَاضِعِ الشِّرْكِ بعد القدرة على إبطالها يوما واحدا فإنها شعائر الكفر، وهي أعظم المنكرات، وَهَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْقُبُورِ التي اتخذت أوثانا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالْأَحْجَارُ الَّتِي تُقْصَدُ لِلتَّعْظِيمِ، وَالتَّبَرُّكِ وَالنَّذْرِ وَالتَّقْبِيلِ لَا يَجُوزُ إِبْقَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الأخرى، وأعظم شركا عندها وبها وبالله الْمُسْتَعَانُ.

وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ هَذِهِ الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق أو تحيي أو تميت، وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَهَا وَبِهَا مَا يَفْعَلُهُ إخوانهم من المشركين عند طواغيتهم اليوم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم حَذو الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، وَأَخَذُوا مَأْخَذَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَغَلَبَ الشِّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ لظهور الجهل وخفاء العلم، وصار المعروف

<<  <   >  >>