للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا يجوز اشتقاق أسماء الله من صفاته]

قالوا: نثبت كل ما سمّى الله به نفسه أو سماه به رسوله، أو وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، وهل نشتق من الوصف اسماً؟ اتفقوا أن هناك صفات لله لا يجوز اشتقاق الاسم منها؛ لأنها ما جاءت ابتداء ولكن جاءت في معرض المقابلة، كما جاء في قوله سبحانه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] هل تقول: الله من أسمائه: الماكر؟! لا؛ لأن إفراد هذا اللفظ ذم، لكن لما يأتي في مقابلة إبطال مكرهم، وأن مكره أقوى، يكون مدحاً، فنقول: هم يمكرون والله يمكر بهم.

قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} [البقرة:٩]، مكرهم أنهم نافقوا، وأظهروا الإيمان، وخالطوا المؤمنين، وناكحوهم، وتوارثوا معهم، واقتسموا سهام الغنيمة معهم بظاهر عملهم، والله كأنه يقول: اتركهم على هذا إلى أن يأتي يوم القيامة: (تحشر أمتي غراً محجلين من أثر الوضوء)، فيبعثون كالمسلمين عليهم أثر الوضوء، ويمشون معهم، حتى وقت المرور على الصراط، فيضرب بينهم وبين المؤمنين: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣].

فتطفأ أنوار الوضوء عنهم، ويبقون في الظلام، يستغيثون بالمسلمين ذرونا نقتبس منكم، ذرونا نقتبس منكم نوراً، فضرب بينهم بسور، في هذه الحالة ظهر بطلان مكرهم وخداعهم، وجاء نصر الله.

فإذا كانوا في الدنيا يمكرون ويتحايلون، فعندما يمرون على الجسر يجدون مكر الله أمامهم، فهو خير الماكرين وهناك يقول المؤمنون: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم:٨]، {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} [الحديد:١٢] فأولئك أطفئت أنوارهم التي كانت من آثار الوضوء، وهؤلاء ثبتت أنوارهم، ثم كانت نهاية الفريقين معلومة.

كل صفة في كتاب الله لك أن تأخذ لله اسماً من تلك الصفة إلا ما أشعر بنقص، وهو ما أتى على سبيل المقابلة، تقول: يمكرون ويمكر الله، ولا يصح أن تقول: الله يمكر، وتسكت، بل: يمكر في مقابل مكرهم.

وقالوا: لا يسمى الله أنه زارع، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:٦٣ - ٦٤]، لا تقل: الله زارع؟ أو فلاح!! هو قادر، هو خالق، هو على كل شيء قدير، لكن لا تسمه بهذا الاسم.

هل قولك: رب العرش العظيم كقولك: رب الذبابة والبعوضة؟ ليسا سواء.

أما ما يدل على قدرة الله كقول الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:٢٦] أي: ولا فوقها في الصغر؛ فإنه أدل على العظمة والقدرة، المخلوقات الحقيرة من آيات الله، البعوض يطير في الهواء فمن يحرك عضلاته؟ بماذا يتغذى؟ أين معدته؟ أين قلبه؟ تعجز أن تتصور ذلك.

والكل خلق الله! الصفات المذكورة في المقابلة لا يجوز أن تشتق له منها اسماً سبحانه وتعالى، أما ما جاء في كتاب الله على سبيل المدح وعلى سبيل التذكير، فلا مانع من ذلك، والعلماء بحثوا في كتاب الله عما جاء من اسم صريح، أو صفة من الصفات توحي بقداسة لله، وإجلال لله، فأخذوا منها اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>