للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علاقة الحديث بكتاب الأيمان والنذور]

هذا موضوع الحديث، ونفس الشارح يتساءل: ما علاقة هذا الحديث بالأيمان والنذور؟ وقد يكون الحديث أقرب إلى كتاب مكارم الأخلاق وحسن الآداب والفعال منه إلى كتاب الأيمان والنذور.

ووجه الجمع بين هذا الحديث وإنزاله في هذاالباب أنه حينما ينذر الإنسان نذراً لشخص فقال: يا فلان، إن لي حاجةً، فنذر عليّ لله إن أنت قضيتها لي لأجازينك جزاءً ولأكافأنك مكافأة عظيمة.

فإن عجز عن الوفاء بنذره لهذا الشخص، فلا بأس بأن يلحق جزاءه على عمله بالله عز وجل، ويكون بذلك قد وفاه.

ولنرجع إلى الحديث: (من صنع له معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً)، أي: كنت وعدتك على صنعك المعروف لي ما هو واسع جداً، ولكنني عجزت عنه، فأسأل الله أن يجزيك عني خيراً، فأكون بهذا قد وفيت بنذري.

وأرى أننا لو حاولنا وتلمسنا علاقة ولو كانت واهية؛ أنه أولى من أن نخطئ المؤلف في إيراده الحديث في كتاب مخصص للأحكام، وهذا في نظري هو أولى.

ومن المعلوم أن الإنسان قد تأخذه العاطفة والانفعال وينذر بشيء ليس في وسعه، والرسول صلى الله عليه وسلم في باب القضاء إذا وجد إنساناً سيطرت عليه العاطفة لا يتركه، بل ينبهه.

فهذان الخصمان اللذان أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتكمان إليه في مواريث بينهما، وهي تركة لا حجة عندهما ولا معالم عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع) قد كان الله قدراً أن يأتيه الوحي؛ ولكن إذا جاء الوحي لرسول الله في خصومات القضاء فكيف يصنع من بعده، فكان المنهج للجميع: (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)، يعني: أبلغ وأفصح في البيان، وإن من البيان لسحراً (فأقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم)،هذا تحذير، (فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة).

فلما سمع الطرفان هذا القول قال كل منهما: حقي للآخر.

فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إذا فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه).

لماذا وجههم هذا التوجه المستغرق: (اقتسما وتوخيا)؟ فالقسمة يجب أن تكون عادلة، فإذا قسمتما فتوخيا الحق، وليأخذ كل منكما قسمه، وذلك يكون بالقرعة.

(ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه) أي: يتسامحا بعد القسمة وبعد التحري وبعد القرعة، ونرضى ويرضي كل منا بقسمه مخافة أن يتركوا إلى سلطان العاطفة والعاطفة أمدها قريب، فبعد انطفاء جذوتها تعود الخصومات -عياذاً بالله-.

والشاهد هنا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تركهما تحت تأثير العاطفة، بل نبههما إلى ما ينبغي أن يكون قطعاً للنزاع فيما بعد.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>