للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل يدخل العبيد والخدم والحيوان في معنى الحديث]

واللفظ الثاني: (أن يحبس عمن يملك قوته).

في الرواية الأولى: (من يعول)، وفي هذه الرواية: (عمن يملك).

يدخل في الملك أولياً: الخدم، أي: المماليك؛ سواء كن الجواري أو العبيد، ويتبع ذلك كل ما يدخل في ملكه وحوزته حتى الحيوان، وقد أشرنا سابقاً إلى ما تنص عليه كتب الحنابلة: بأن الإنسان إذا كان عنده حيوان يستخدمه ثم عجز الحيوان عن الخدمة، فلا يحق له أن يحبسه حتى يموت بل ينفق عليه، وإن عجز عن النفقة عليه أخرجه إلى أرض مخصبة منبتة يرعى فيها.

أما إذا كان مأكول اللحم ذبحه وانتفع بلحمه وبرئ من إثمه، وإن كان غير مأكول اللحم لا ينفع ذبحه، فإنما يرسله إلى ما يمكن أن يجد قوته أو طعامه أو مرعاه هناك.

وبهذه المناسبة ننبه على هؤلاء الذين يستخدمون الخدم، بأن طعامهم وشرابهم ومنامهم على الكفيل؛ لأنهم في ملكه للخدمة؛ ولأنهم من ضمن من يعول.

وهنا تأتي المروءة، ويأتي حسن الخلق، ويأتي حسن الصحبة، فمن الناس من يجلس خادمه معه ليأكل، المرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل، ومنهم من يغرف له قبل عياله، ومنهم من يحبس ويتحفظ على حصته من الطعام، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الصنف من الناس، إذا قدم لك خادمك الطعام فإما أن تجلسه معك وإلا أطعمته منه، فقد عالجه وأنضجه وقدمه إليك.

هذه ناحية نفسية عجيبة يا إخوان، الخادم والطباخ يعالج الطعام، وبرائحته، بلونه، بشهيته، بكل نفسيته، ثم أنت تأخذ الطعام ولا يذوق منه شيئاً، ألا تخشى من عينه، ألا تخشى من حقده عليك، بل المفروض أن الإنسان إذا كان يأكل طعاماً وجاءه طفل أو جاءه خادم أو جاءه إنسان أن يدعوه لمخالطته ما دام قد رأى الطعام بين يديه، ولعل نفسه تعلقت به! سئل رجل من السلف وكان لا يأكل مع والديه، عن سبب ذلك، فقال: أخشى أن تسبق يدي إلى شيء تتعلق به نفوسهما.

فمعنى ذلك أن العين تسبق إلى الطعام، حتى العامة يقولون: الناس تأكل بعيونها لا ببطونها.

فإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن نلاحظ حقوق الخدم الذين يكونون معنا في البيت، ومما يمكن أن نضيفه إلى ذلك -نبين مدى سعة رحمة الله وعناية الإسلام بالمملوك- الذين يقتنون الطيور ويجعلونها في أقفاص، فلا بد من توفير الماء والطعام لها، وتغيير الماء وغسل آنيته كلما دعت إلى ذلك حاجة.

وبعض الناس يدعه ولا يسأل عنه وقد ينساه، وينتهي ما معه من ماء، فيموت عطشاً، فهذا يخشى عليه من حديث المرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).

فإن لم ترد إطعامها فاتركها تأكل من خشاش الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>