للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- ٢٠٥ -

صيرها لهم ملكة صناعية يأخذها الولد عن والديه فينطق بها كما ينطق البليغ من قومه وقدموهم بعض الملفقين فقال ان اللغة كانت للعرب قطرية غريزية وقد علمت بطلان هذا بما نقرر من ان إحكام الصناعة في التلقي والتلقين هو الذي صيرها ملكة اللسان وهذا أشار الفاضل أمين شمول الشادي بقوله اللغة عبارة عن آلة مادية نقوم بها مبادلة الأفكار بالمعاني بين إفراد الانسان عموما وخصوصا وبما نقرر تعلم ان اللغة ليست فطرية وانما هي مظهر الانفعال الجسماني او الروحاني فان المولود اذا خرج من بطن أمه ورأى النور اهتز واضطراب لأنسه الجسماني بهذه المدركات الجديدة واذا رأى الظلمة انتحب وبكا لتألما من هذا الانقباض الجسماني واذا سمع صوتا مال إليه بالقوى الدماغية الجسمانية وهو في جمع الأحوال يشير ويعالج النطق بفطرية فلا يتمكن منه حتى تكرر عليه الألفاظ وترسخ في ذهنه فينطق بها ويكررها الى ان تصير ملكة في لسانه وهذا المعنى أشار المحقق شافي الفرنساوي بقوله ٠ اللغة ليست بإرادة الانسان ٠ غير انه يحكم على الانفعالات الجسمانية بإتباع المادة المتكونة منها ويقول لو جئنا بطفلين عربي وأور وباوي وسلمناهما لمرب أصم أبكم أعمى وتركناهما معه عاما او علمين ثم دخلنا عليهما لوجدنا العربي ينفعل انفعالات عربية تبعا لمادة تكوينة والأوروباي ينفعل انفعالاً غريبا تبعاً لمادة تكوينه كذلك بمعنى ان كلا يصيح بأصوات تماثل أصوات المشتقات وقد انفرد بهذه الرأي وتبعه قوم من بعده وبمذهبه يقرر ان تغيير اللغة في الآباء يغير فطرة الانفعال في الابناء فإذا تعلم الأعجمي العربية وعلمها ولد تجنس بالعربية وانسلخ من جنسية الأعاجم كما وقع لكثير الاعجام الذين تركوا لغتهم بالعربية وللعرب التي تنصرت بالروم فان الاولين انسلخ اسم العجمةعن أبنائهم والآخرين أنسلخ أسم العروبة عن أبنائهم كذلك وما نقلهم من الجنسية الا ترك اللغة واستعمال غيرها حتى غلبت عليهم ولم يكن تسليم اللذات مخرجا لها عن

الجنسية في العرب التي تبعت الفرس والروم والترك لتمسكها بلغتها وعدم التهاون فيها باستعمال غيرها فبقيت عصبتها قوية ودمها الجنسي ساربا في عروقها تظهره القوة ويخفيه الضعف ولو تركت لغتها واستعملت غيرها لفقدت الجنسية الأصلية وعنونت بجنسية اللغة التي صارت ملكة في لسانها وعدمت الانفعالات العربية وكذلك الالبانيون والرومانيون واليونانيون وغيرهم لما ثبت لغتهم في ألسنتم ولم تنمكن منهم لغة أخرى بقيت العصبية محفوظة مع ضعف القوى حتى اذا قويت الانفعالات وتجمعت حواس العصبية غلبت على أمرها وتخلصت من اللغة المستلمة ذاتها ولم بضع تسليم الذات اللغة ولو أضاعت اللغة ما نظرت الى الذات فقد نقرر إن المدركات الجسمانية نترجمها اللغة وهي تستعمل الذات فيما نقوم به من المعاني وهذا أشرت بقولي.