للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- ٢٠٧ -

آلة لمظاهر الألفاظ وغرضاً لمواقع المعاني وهذا بعينه هو التسليم وان كان الوازع من المتحولين إذ لا ينفعهم بقاء الوازع مع جهل تأريخ مبدئهم وسيرة شعوبهم فأن اللغة الطارئة بعد يصير ملكة للسان تستخدم لفكر في تاريخ أهلها ووقائعهم وسيرتهم وهذا الاستخدام يهيئ الذات لا انفعالاته ولتبع المدركات الحديثة ويستحل على الذات الرجوع لحركت جنسها الأول بعد فقد الملكة المترجمة عن المدركات وتحويل المدركات لما تقوم به هذه الملكة الطارئة. فإذا كانت مستقلة وغيرت لغتها بغيرها ضعف فيها الاستقلال بقدر ما يضعف من لغتها فإذا تم التغيير فقد ت الاستقلال ووقع فيها الخذلان بتباين الطباع وانعكاس الانفعالات وعدم أتفاق المدركات فأنه يستحيل توافق التغيير في جميع الأفراد وإن تم اختلفت المدارك اختلافا يبعد الذات عن روابط الاستقلال وهذا الذي أشار إليه الفاضل المصري بقوله استقلال الأمة موقوف على حفظ لغتها والأديب الأسكندري بقوله اللغة هي عنوان الأمة.

وقد وصلنا في البحث لتأييد الحكم الثمان وتطبيقها على بعضها وأخرنا النتيجة للفصل الثالث عند الكلام على تسوية المناقشة وسنورد الفصل الثاني في العدد الآتي إنشاء الله

[لطيفة]

استحضر الخليفة المأمون الفراء لتعليم ولديه فأتفق له أنه أراد الخروج من المكتب يوماً فأبتدر الغلامان نعله وصار كل منهما يغالب أخاه على تقديمه لأستاذه وبعد معارضة طويلة اتفقا على أن يقدم كل واحد نعلاً بيده فنقل الخازن الموكل برعايتهما ذلك الى المأمون فأستدعى الفرار وقال له من أشرف الناس في عصرنا فقال له أشرف الناس أمير المؤمنين فقال له المأمون أشرف الناس من إذا قام أبتدر أولياء عهد المسلمين نعله وتفاخروا بتقديمه إليه فقال الفر ارأيت أخلاقهما المهذبة لطفت حتى سهلت لهما خدمة أستاذهما فلم امنعهما من هذه المحاسن التي تشهد بمجدهما فقال له المأمون لو منعتهما من ذلك لعاتبتك عتاباً شديداً وإنها لفضيلة تذكر في تأريخهما ثم انعم عليه بصلة عظيمة مكافأة له على حسن تربية أبنائه.

هكذا تكون الآداب ومحاسن الأخلاق فأنظر أيها القاري للأخلاق الملوكية وكيف صار أولياء العهد يخدمون أساتذتهم ومربيهم قابل ذلك بصعلوك إذا أراد أن يكافئ مربي ولده أساءه وآذاه وإذا نبغ ولده كان أول ما يراه الخروج على أستاذه ورفع أنفه عليه لتعلم أن السلالة أذا كانت طاهرة الأعراق كانت لطيفة الأخلاق وإذا كانت من الأوضاع كانت قبيحة الطباع فعلى معلمي الأطفال الصبر على مضض الكلام وتحمل الإساءة من الأدباء وأهل البهتان وسيرهم في طريق التأديب ومجاهدتهم في تخليص الأرواح من الجهالة ونقل الطباع من سفاسف الأمور الى جلائلها بحسن التربية والتهذيب ولهم الله يجزيهم على