للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٢٣٦ -

وتورمت منه الاوداج فلا يسكن الا بعزة لا بعقبها ذلة ومنعة لا يلحقها خضوع وشرف لا ندنسه وضاعة. ولو تركتهم الخطباء للتخاذل والتحاسد لماتت هممهم وخمدت حميتهم ولعبت بهم الاهواء وتمكنت منهم الضعفاء واصبحوا اذلاء في الامم يدركون المجد ولا يعرفون لشرف النفوس سبيلاً

وقد استمرت الخطابة في العرب دهوراً لا يجتمعون الا عليها ولا يجلون الا اهلها ولا يعظمون الا العاملين بها ولا يخضعون الا لمتبعها القائم بحفظ الامة وصيانة اعراضها واراضيها حتى جاء الاسلام وفرضت الخطبة للجمعة لامر تغيب عن كثير من الناس احكمته وسره البديع ونحن نذكره قياماَ بحق خدمة الامة والوطن والدين تنبيهاً لافكار السامعين وتخريضاً للخطباء على سلوك طريق النصح وسبيل الخلفاء والعمال الذين ملأوا الوجود بأدبهم ومبتكرات معانيهم وحسن نصائحهم ومواعضهم

لما كان نظام الاجتماع موقوفاً على وحدة الائتلاف ووقوف الامة على حقوقها وحدودها ولا يتمكن الفرد بنفسه من فهم البعيد عنه او الخفي عليه الا بمرشد متضلع متقلب في حوادث الزمان ووقائع الرجال والامة ليست جميعها من صنف العلماء ولا كلها من رجال الكلام ولا اغلبها من اهل السياسة ولا جلها من ارباب الاقلام لتشكيلها من عالم مختلف الاغراض متباين الطباع فرضت الخطبة ليقف الخطيب بين قومه وقفة الخليفة الامر الناهي فيقص على الرقية مافعله من الجميل وما قام به من الاعمال وما ورد عليه من الاخبار وما يحذره من الطوارق وما يرجوه من الاصلاح ويشرح لهم حال من بعد عنهم من اخوانهم المؤمنين وما نزل بهم من النوازل الجوية والحوادث الارضية وما غنموه من انفال الفتح وغنائم الانتصار لتكون الامة على علم باحوالها في سائر بلادها وفي هذا من النصح والوعظ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لا ينكره الا مقيد بديوان او مربوط في بعض وريقات صنفها غيره

ومن طالع خطب الخلفاء والعمال وعلم ما كان يحدث في الامة من الغيرة والحمية عند

دعوة العرب او زيادة الجند او رفد الحكومة بمال وقف على سر الخطابة وحكمة فرضيتها فان المتقدمين ما نزل بهم امر الا خطبوا به حتى انهم كانوا يرثون شهداء الحرب على المنابر وبهذا كانت الامة في نمو وزيادة فتوح وقوة بأس وناهيك بامة كل اسبوع في ساعة واحدة في سائر انحاء بلادها وتسمع من حوادثها وغوامض سياسة خلفائها ما يقف به كل فرد فرد على احمال الامة وسيرها وتقدمها ونجاحها حتى اذا كان الجيش مقيما في بلاد الروم ويخطب بحوادثه في جزيرة العرب فتتوالى عليه الامدادوتتلاحق به الفرسان وبينه وبينهم برار وفدافد لا تقطع الا بايام او اشهر ولقد انكروا على سيدنا عمر