للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٤ -

قابلناه برقيق الكلام وإن انتهب حقاً سامحناه وإن اغتصب مالاً زدناه فإنه عزيز في الوجود رفعه العلم إلى درجة يعدنا فيها من البهائم وأوصلته محبة الجنسية إلى مقام يصعب علينا الوصول إليه فهو في عالم ونحن في عالم وإن جمعنا في مكان.

ويا أيها المصري ألا تذكر ما كنت فيه من حضيض الخسف وحفرة الذل وتراجع ما كنت تقاسيه من دفع المغارم وتحمل المظالم وتقابل ماضيك بحاضرك لتعرف فضل النعمة وقدر الإحسان. ألا ترقب حكومتك في أعمالها لتهتدي إلى سبيل التقدم وطريق العرفان. ألا تقراه ما ينشر عليك من الأوامر الداعية إلى الائتلاف المحذرة من الاختلاف الداحضة حجج أهل البغي والفساد. ألا تنظر ما تعقده من المجالس لتخلصك به من مخالب المصائب التي أوقعك فيها جهلك وبعدك عن التبصر في العواقب وإهمالك في حقوق الوطنية وواجبات الإنسانية. أظنك لو تدبرت أمرك لاستحييت من مقابلة من لم يولد في أرضك وعلمت أنك في احتياج إلى مهذب يرشدك ومؤدب يوقفك عند حدودك ومنبه يوقظك من غفلة الكسل ونومة الإهمال. على انك أهل الذكاء ورب البلاغة ومنبع المعارف ومبتدع الصنائع ولكنك جهلت تاريخك. وسأتحفك بغرائب قومك ومناقب أصلك أقدمها إليك شذوراً مردفة بما نحن فيه من التبكيت لتعذر المتنهد وترحم المسكين وتكون من الذين أعادوا مجدهم وأحيوا أوطانهم فأصبحوا ببقاء ذكرهم في الوجود من الخالدين.

[مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي]

كان هذا المصاب صحيح البنية قوي الأعصاب جميل الصورة لطيف الشكل ما رآه فارغ القلب إلا صبا ولا سمع بذكره بعيد إلا طار إليه شوقاً نشاء في العالم روضة ودار به أهله يحفظونه من العداء ويدفعون عنه الوشاة والرقباء وقد مات في حبه جملة من العشاق الذين خاطروا في وصاله بالأرواح والأموال وكلما وصل إليه واحد سحره برقة ألفاظه وعذوبة كلامه وسلب عقله ببهجة يحار الطرف فيها وعزة لا يشاركه فيها مشارك وهو هو غزال في الخفة غصن في اللين بدر في البهجة جنة في المنظر تمر عليه الدهور فتزيده حسناً وتتوالى عليه العشاق فتزداد هياماً وأهله فرحون بهذا البديع الفريد والطالع السعيد يعشقون الموت في حياته وقد اتفقوا على توحيد كلمتهم في حفظه وجمع شتاتهم في رحابه وصرف حياتهم الطيبة في بقائه في الوجود معززاً بأهله مؤيداً بعشائره حتى لا تمد إليه يد عدو ولا يوجه إليه فكر محتال ولا يقرب منه مغتال.

وبينما هو يتيه بحسنه ويدل بجماله صحبه أحد المضلين واستماله بنفاق تميل إليه النفوس وتملق يخجل فظن أهله أن هذا المضل من الأتقياء الذين لا يعرفون اللهو ولا يميلون إلى