للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٧ - ترجمة معاني القرآن]

اصطلاحا: يقصد بها نقل القدر الممكن من معنى النص القرآنى إلى لغة أخرى. ونقول القدر الممكن لصعوبة الترجمة الوافية المقابلة تماما للنص العربى، وذلك لسبب أساسى هو: الفرق الشاسع بين وعاء اللغة العربية عامة ولغة القرآن بخاصة، ووعاء أى لغة أخرى، فإمكانيات اشتقاق وتصريف الجذر الواحد فى اللغة العربية يصل إلى أكثر من ثمانين تصريفا بتفاوتات دقيقة فى المعنى بين كل منها. وهى مرونة لا توجد فى أى لغة أخرى من اللغات وخاصة اللغات الغربية اللاتينية الأصل. بل كثيرا ما نجد أن هناك صيغا أساسية كالفعل أو الفاعل أو الصفة لا وجود لها فى تلك اللغات. إضافة إلى أن لغة القرآن تشتمل على كافة الأشكال التعبيرية والبلاغية. الأمر الذى يجعل الترجمة المقابلة تماما من الأمور المستحيلة ما لم تتم الاستعانة باشتقاق كلمات جديدة فى اللغة التى تتم الترجمة إليها.

وترجع أول محاولة لترجمة معانى القرآن الكريم إلى سلمان الفارسى - رضي الله عنه - المتوفى عام ٣٥ هـ/ ٦٥٥ م) وكان من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة. وقد ترجم الفاتحة إلى الفارسية. لغته الأم وأقرب اللغات إلى العربية (كما روى بمسند الإمام أبى حنيفة).

وأثيرت قضية جواز الترجمة بعامة، وجواز الصلاة بالنص المترجم تحديدا. وذلك لمدة أربعة قرون، إلا أن التاريخ لم يحفظ ما يدل على أن أحدا من المسلمين قد حاول ترجمة القرآن إلى غير اللغة العربية طوال اثنى عشر قرنا. وذلك حرصا منهم على النص المنزل وعدم اندثاره ولكى لا تعتبر الترجمة بديلا للقرآن.

وقد أثير موضوع ترجمة معانى القرآن فى مصر، فى العصر الحديث، ثلاث مرات:

١ - عندما منعت مشيخة الأزهر إدخال نسخة من ترجمة القرآن باللغة الإنجليزية، وطالبت مصلحة الجمارك بإحراقها (١٩٢٥م).

٢ - وحينما قررت حكومة تركيا برئاسة مصطفى كمال أتاتورك ترجمة معانى القرآن إلى اللغة التركية.

٣ - وعندما قررت مشيخة الأزهر الشروع فى عمل تفسير منتخب لمعانى القرآن بالاشتراك مع وزارة المعارف، وذلك أيام تولى فضيلة الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغى رئاسة المشيخة للمرة الثانية (عام ١٩٣٦م)، على أن تقوم لجنة من المتخصصين فى اللغات الأجنبية بترجمة هذا التفسير.

وسبب هذا القرار الذى يمثل تحولا فى موقف المشيخة هو المناخ الذى كان يسود البلدان الإسلامية غير المتحدثة بالعربية. وهو مناخ مسمم بكل ما يمس الإسلام والمسلمين. فلم يكن بين أيديهم سوى ترجمات مشوهة قام بها المستشرقون.

وما من إنسان يجهل أن الغرب قد بدأ محاربة الإسلام منذ بداية انتشاره. وتعد الصفحات التى خصها يوحنا الدمشقى (حوالى ٦٥٠ م- ٧٥٠ م تقريبا) فى كتابه المعنون "ينبوع المعرفة" فى الفصل الخاص بالهرطقات: الركيزة الأولى المليئة بالفريات ضد القرآن وضد سيد المرسلين صلوات الله عليه.

وبخلاف ترجمة بعض المقتطفات التى قام بها بيزنطيون فى القرن التاسع الميلادى، وكلها تهدف إلى تحريف النص القرآنى. قام البابا بطرس المبجل أثناء تجواله فى أسبانيا لمدة عامين (١١٤١ - ١١٤٣) فى زمن الحروب الصليبية، بتكليف القس روبير دى رتين، المقيم فى طليطلة، بأن يترجم له القرآن وذلك كما يقول عنه "رجيس بلاشير" للضرورة الماسة التى تعاوننا على محو أية آثار لعقيدتهم الأولى من عقلية الذين تم تنصيرهم حديثا (فى كتابه عن القرآن ص ٩).

وتعد أقدم ترجمة كاملة للقرآن الكريم فى الغرب، فى مطلع العصر الحديث، تلك التى قام بها القس مراتشى فى أواخر القرن السابع عشر والتى ظهرت عام ١٦٩٨ م بعنوان "حول تفنيد القرآن" ويتضمن هذا العمل النص العربى والترجمة اللاتينية للقرآن الكريم ومقدمة. وقد قام مراتشى بالتعليق على النص العربى برمته وتفنيده كما يؤكد ذلك إدوار مونتيه (فى صفحة ٥٥ من مقدمته لترجمة القرآن). ثم يضيف قائلا عن ترجمة مراتشى هذه: "إن هذا العمل الذى يعد من أروع الأعمال، يجب أن يلم به كافة المستشرقين الذين يكرسون أنفسهم لدراسة القرآن ودين الإسلام "!! وبناء على ترجمة مراتشى هذه التى راح ينهل منها المستشرقون، صبوا فرياتهم فى صلب ترجماتهم وفى التعليقات والهوامش المرتبطة بها وفى المقدمات الخاصة بها، أصبح هناك فى كل دولة غربية ترجمة أُمّ تُعَدّ بمثابة القالب الذى لا يجب عليهم الحياد عنه. ومنها ترجمة نولدكة فى ألمانيا، وجورج سال فى إنجلترا، ودى رييه فى فرنسا وكثيرين غيرهم.

ويمكن تلخيص النقاط الأساسية التى لن تحيد عنها ترجمة من ترجماته حتى يومنا هذا، وإن اختلفت الصور والأساليب إلى ما يلى:

إنكار أن القرآن الكريم منزّل من عند الله، والادعاء بأنه لا يتضمن تشريعا، والإصرار على أنه من تأليف سيدنا محمد صلوات الله عليه وإنكار أُمِّيَّته، والادعاء بأنه يزخر بالتحريف الذى تم أثناء جمعه وتدوينه، وبأنه غير صالح لكل زمان ومكان، والتلاعب فى عرض الآيات المتعلقة باختلاق التثليث، وتأليه السيد المسيح (الذى تم فى مطلع القرن الرابع)، ومريم العذراء، وتلك التى تثبت التحريف والتلاعب بالكلم الذى تم فى الإنجيل بعهديه، تعمد اختيار الألفاظ المهينة خاصة عندما يسمح اختيار العبارات بذلك، ومطالبة المسلمين بتحديث القرآن المليء بالمتناقضات فى نظرهم والبحث عن مصادر أخرى للتراث الإسلامى، والإلحاح بضرورة إخضاع القرآن للنقد التاريخى والتحليل اللغوى الحديث حتى يمكن إدماجه فى العصر الحديث. وكأنهم يتناسون أنه لا يمكن استخدام آليات التحليل والدراسات الألسنية للغة اللاتينية على اللغة العربية المختلفة الأصل والجذور. وحيال كل تلك المحاولات الدؤوب للنيل من القرآن الكريم، بدأت بعض المؤسسات الإسلامية وبعض العلماء الغيورين على دينهم فى عمل ترجمات أمينة لمعانى القرآن منذ مطلع القرن العشرين ومنها ترجمات جزئية وأخرى كاملة. ومن أهم هذه المؤسسات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية مصر العربية، ومجمع الملك فهد بالمملكة العربية السعودية. كما أشرف محمد حميد الله على الفهرس الجامع لمختلف ترجمات القرآن، الذى قام به إحسان أوغلو فى مركز الدراسات التاريخية باستنبول. ويصل عدد اللغات التى ترجم إليها القرآن الكريم إلى ١٣٢ لغة، منها ٦٤ لغة فيها عدة ترجمات.

أ. د/ زينب عبد العزيز


المرجع
١ - دراسة حول ترجمة القرآن الكريم " بقلم الدكتور أحمد إبراهيم مهنا " مطبوعات الشعب ١٩٧٨م.
٢ - Le CORAN par Régis Blachére , ٢ éd. P>U>F Paris,١٩٦٩
٣- MAHOMAT: Le CORAN par Edouard MONTET, PAYOT,Paris ١٩٤٩

<<  <   >  >>