للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥٠ - التَّقِيَّة

لغة: التَّقِيَّة بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء المفتوحة مصدر الفعل (اتقى) أبدلت الواو تاءً ومعناها الحذر والخوف (١).

اصطلاحا: أن يظهر الإنسان خلاف ما يُضمِر؛ ليحافظ على نفسه أو ماله أو عرضه، وقيل هى: مداراة وتظاهر بما ليس هو الحقيقة (٢).

وقد ارتبطت التقية بالشيعة، فهى النظام السرى فى شئونهم فإذا أراد إمام الخروج والثورة على الخليفة، وضع لذلك نظاما وتدابير، وأعلم أصحابه بذلك فكتموه، وأظهروا الطاعة حتى تتم الخطط المرسومة فهذه تقية، وإذا أحسّوا ضررا من كافر أو سنّى داروه وجاروه وأظهروا له الموافقة فهذه أيضا تقية وهكذا (٣).

كما فسروا كثيرا من أعمال الأئمة على أنهم فعلوها تقية، فسكوت عليّ - رضي الله عنه - على أبى بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كان تقية، ومصالحة الحسن لمعاوية كان تقية، وقولهم بالتقية كان السبب فى قولهم: إن للكلام ظاهرا يفهمه كل الناس، وباطنا يفهمه الخاصة، وتأولوا تفاسير بعض القرآن الكريم بمعان باطنية.

وكان على عكس الشيعة فى القول بالتقية الخوارج فقالوا: لا تجوز التقية بحال من الأحوال، ولو عرضت النفس والأموال، فهم يعلنون الحرب على الإمام، على عكس الشيعة فإنهم يمارون ويدارون ويتسترون، ويتكتمون حتى تمكنهم الفرصة (٤).

وقد أخذ بالتقية بعض الفرق الباطنية الذين كانوا يحلمون بإيجاد دولة لهم لتنفيذ مآربهم ومخططاتهم أمثال القرامطة والفاطمية والإسماعيلية والدروز، والبابية، وغيرها من الدعوات الباطنية التى كانت تحافظ على تقاليدها بالتستر إلى أن تقوى وتعلن وجودها بعد أن تكون قد حققت لنفسها المقومات الكفيلة باستمرارية وجودها (٥).

وقد أخذ القائلون بالتقية أصولها من قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} (آل عمران ٢٨).

وقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (النحل ١٠٦).

فقد اتخذ القائلون بالتقية هاتين الآيتين أصلا لما ذهبوا إليه من قولهم بالتقية ثم غلا أتباعهم فى معناهما حتى أخرجوهما أو كادوا يخرجونهما عن أصل معناهما وقد بيّن أئمة العلماء المراد من الآيتين، فقال أصحاب أبى حنفية: التقية رخصة من الله تعالى، وتركها أفضل، فلو أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل فهو أفضل ممن أظهر، وكذلك كل أمر فيه إعزاز للدين فالإقدام عليه حتى يقتل أفضل من الأخذ بالرخصة، وقال ابن حنبل وقد قيل له: إن عرضت على السيف، تجيب؟ قال: لا، وقال: إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟!

ولم يكن أخذ الشيعة بالتقية على حد سواء، فقد غالى بعضهم وتوسط بعضهم، فهذا هو الشريف الرضى يقول: .. وقال بعضهم: معنى ذلك أن يكون المؤمن بين الكفار وحيدا، أو فى حكم الوحيد، إذا كان قليل الناصر غائب المظاهر، والكفار لهم الغلبة والكثرة، والدار والحوزة، فمباح له أن يخالقهم بأحسن خلقه، حتى يجعل الله له منهم مخرجا، ويتيح له فرجا، ولا تكون التقية بأن يدخل معهم فى انتهاك محرم أو استحلال محرم، بل التقية بالقول والكلام، والقلب عاقد على خلاف ما يظهر اللسان (٦).

ثم قال: وقد ذهب المحققون من العلماء إلى أن من أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل، أفضل ممن أظهر الكفر بلسانه، وإن أضمر الإيمان بقلبه " (٧).

(هيئة التحرير)

١ - لسان العرب مادة (وقى) ٥/ ٤٠١.

٢ - الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد: خالد محمد الحاج، ١/ ١١٣، ط إدارة إحياء التراث- قطر ٩٨٣ ١ م.

٣ - ضحى الإسلام: محمد أمين ٣/ ٢٤٥.

٤ - السابق ٣/ ٢٤٦.

٥ - الكشاف الفريد ١/ ١١٤.

٦ - حقائق التأويل. الشريف الرضى، ٥/ ٧٤، ط النجف ١٣٥٥هـ.

٧ - السابق ٥/ ٧٥.


المراجع
١ - شرائع الإسلام، جعفر بن حسين الحلي، ص ١٤٩ وما بعدها، ط سنت بطرسيرج ١٨٦٢م.
٢ - روضات الجنات: الخوانسارى،، ج ٤، ط طهران ١٣٠٦ هـ.
٣ - دائرة المعارف الإسلامية ٥/ ٤١٩.
٤ - مناهج الطالبين. النووى ط فان دى برج ١٨٨٤ م
٥ - مختلف الشيعة: ابن مطهر الحلى، ٢/ ١٥٨، ط طهران ١٣٢٣ هـ.

<<  <   >  >>