للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٦٢ - التوثيق]

لغة: هو الإحكام (١) تقول: وثق الشىء قوى وثبت وكان محكما، وتوثق تقوى وتثبته (٢).

واصطلاحا: هو إثبات صحة الشىء أو التثبت من صحة النص، وهو مشتق من الثقة ومنه وثيقة الزواج، وتوثيق العقود أى إثبات صحتها ومصلحة التوثيق هى الجهة المنوط بها إثبات صحة العقود والمعاملات المكتوبة بين الناس.

والتوثيق فى البحوث العلمية يقصد به: ربط كل الأفكار والقضايا والمسائل الواردة بها بالمصادر والمراجع التى أخذت منها، وتدعيمها بالاقتباسات والشواهد المأخوذة من تلك المصادر والمراجع (٣).

وأول مظهر لاهتمام العرب بتوثيق النصوص هو عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم، وحرصه على ضبط ما يكتبه كتبة الوحى فقد روى عن زيد بن ثابت قوله "كنت أكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس" (٤).

وبما أن الحديث النبوى هو المصدر الثانى من مصادر التشريع ونظرا لأنه لم يدون إلا على رأس المائة الثانية للهجرة فقد كان طبيعيا أن يهتم المسلمون بتوثيقه اهتماما بالغا لما له من أهمية فى شئون أمور الدين والدنيا. ولهذا وضعت القواعد لقبول الحديث وظهر الاهتمام بصحة الإسناد منذ عهد مبكر، فقد روى عن عبد الله بن المبارك قوله:"مثل الذى يطلب أمردينه بلا إسناد كمثل الذى يرتقى السطح بلا سلم " (٥)، ونتج عن ذلك الاهتمام بصدق الرواة والتأكد من حسن سماعهم لما يروونه، وحقيقة لقائهم بشيوخهم وعدم الزيادة أو النقصان أو التحريف أو التصحيف أو المخالفة فيما يروون من أجل التثبت من أهليتهم لرواية الحديث، وكما نتج عنه الاهتمام بمعرفة اتصال السند أو انقطاعه، وعلوه ونزوله، وغير ذلك مما فصلته علوم الحديث، وقد تمخض هذا كله عن ظهور علم مصطلح الحديث من ناحية وكتب الجرح والتعديل من ناحية أخرى.

وكان لتوثيق النصوص مظاهر متعددة تمثلت فى تدوين السماعات والقراءات والإجازات والمقابلات والمعارضات والتصحيحات والاستدراكات على النسخ المخطوطة إحكاما واستيثاقا.

وفى العقد الثالث من القرن العشرين استخدم المكتبيون مصطلح "التوثيق" كمقابل لكلمة Decumentation. التى أفرزها عصر تفجر المعلومات (٦)، فقد أدى التتابع السريع والمنتظم للمعلومات التى تنشر فى غير الكتب كمقالات الدوريات والبحوث والتقارير والنشرات والمستخلصات والرسائل العلمية وغيرها من صور النشر الحديثة وبخاصة فى مجال العلوم والتكنولوجيا.

وأدى عجز النظم الببليوجرافية التقليدية، وقصورأمناء المكتبات التقليدية فى تلبية احتياجات الباحثين فى التخصصات الدقيقة أدى ذلك إلى تحول المكتبات المتخصصة إلى مراكز توثيق مهمتها السيطرة على هذا السبيل الجارف من المعلومات جمعا وتسجيلا وتصنيفا واختزانا فى الحاسبات الإلكترونية، وتقديم خدمة غير تقليدية للباحثين فبدأت تظهر مراكز توثيق متخصصة فى الزراعة والصناعة والتربية وغيرها من فروع المعرفة وانعكس هذا التطور على مسميات أقسام المكتبات ومعاهدها فأصبحت تسمى "أقسام المكتبات والتوثيق" واستمرت هذه الموجة ثلاثة عقود ثم بدأت فى الانحسار وبدأ مصطلح "التوثيق" يختفى من الاستخدام فى السبعينيات ليحل محله مصطلح جديد هو المعلومات Information.

أ. د/عبد الستار عبدالحق الحلوجى


الهامش:
١ - مجد الدين الفيروزآبادى. القاموس المحيط القاهرة المكتبة التجارية ط٥ سنة ١٩٥٤م. ٣/ ٢٨٧ - ٢٨٨، الصحاح. للجوهرى. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. دار الكتاب العربى القاهرة سنة ١٣٧٧هـ ص١٥٦٣.
٢ - محيط المحيط بطرس البستانى مكتبة لبنان سنة ١٩٧٧م ص٩٥٦ - ٩٥٧.
٣ - المكتبات والمعلومات والتوثيق، أسس علمية حديثة ومدخل منهجى عربى. سعد محمد الهجرسى وسيد حسب الله دار الثقافة العلمية الاسكندرية ط٢ سنة ١٩٩٨م ص٢١٦.
٤ - المعرفة والتاريخ يعقوب بن سليمان البسوى. تحقيق أكرم ضياء العمرى. مؤسسة الرسالة بيروت ط٢ سنة ١٩٨١م ١/ ٣٧٧.
٥ - أدب الإملاء والاستملاء. عبد الكريم السمعانى. دار الكتب العلمية بيروت سنة ١٩٨١م. ص٤.
٦ - انظر مادة Documentation فى:
I Webster's third New International Dictionary. Spring field Mossachusetts: Merriam Company، ١٩٦١.
II Ranganathan، S.R.: Documentation and its Facets. Bombay: Asiapublishing Hovse، ١٩٦٣

<<  <   >  >>