للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٣ - الحديث (مصطلح)]

إن الله تعالى أرسل للعالمين رسولا يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم إلى صراط الله المستقيم. والله تعالى قد أنزل على هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو القرآن الكريم، وأوكل الله تعالى بيان هذا الكتاب الكريم إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فقال سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل ٤٤). وصدع الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأمر ربه، فشرع يبين للناس ما فى القرآن الكريم، فقامت السنة المطهرة بهذا الدور العظيم، وهو بيان ما فى القرآن الكريم.

ولم يقتصر دور السنة المطهرة على ذلك الدور فقط- رغم أهميته- بل أوكل الله تعالى إليها مهمة عظيمة أخرى، وهى أن تشرع للناس أحكاما على سبيل الاستقلال، لم يسبق لها ذكر فى القرآن الكريم، والسنة بهذه المهمة الكريمة أدت دورا تشريعيا هاما جدا مع القرآن الكريم.

إذن فمنزلة السنة خطيرة، ومهمتها عظيمة، فهى تبين القرآن الكريم، ولولاها لما استطعنا أن نفهم القرآن الكريم، ولا أن نطبقه، ثم هى- بعد ذلك- تقوم بمهمة التشريع مع القرآن الكريم، ولقد تنبهت أمة الإسلام لهذه المهمة الجليلة للسنة المشرفة، فتصدوا للدفاع عنها، وكان من ثمرة جهد علماء الأمة لصيانة السنة أن وضعوا (علم أصول الحديث) أو علم "مصطلح الحديث " ذلك أن السنة الشريفة عبارة عن نصوص نبوية شريفة، نقلت لنا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقام بنقلها لنا حملة هذا العلم من كل عصر، فى حلقات متواصلة من لدن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلى أن وضعت فى بطون الكتب المعروفة بين أيدينا الآن، مثل صحيح البخارى، وصحيح مسلم وغيرهما. والنص النبوى الذى نقل إلينا يسميه علماء الحديث ب "متن الحديث ".

والرجال الذين نقلوا هذا المتن إلينا يسميهم العلماء "سند الحديث " أو "إسناد الحديث " أو "رجال الحديث " أو "طريق الحديث ".

إذاً فنحن أمام علمين رئيسيين من علوم السنة، علم يدرس النص النبوى الكريم، ويفهمه، ويستخرج ما فيه من كنوز وأحكام تشريعية، من عقائد، وعبادات، وتشريع وأخلاق، وغيرها، وهذا ما يعرف عند علماء الحديث "بعلم الحديث رواية".

وعلم يدرس سند الحديث أو رجال الحديث حتى تصدق نسبة الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويثبت لدينا حقا أنه قاله فيجب العمل به، وهذا ما اهتم به العلم الثانى، وهو "علم الحديث دراية" أو علم أصول الحديث، أو علم مصطلح الحديث، ويعرفه العلماء فيقولون:

"هو علم يعرف به أحوال سند الحديث ومتنه من حيث القبول والرد"، أو "هو علم يعرف به أحوال الراوى والمروى، من حيث القبول والرد " بمعنى أننا ندرس أحوال الرواة الذين ينقلون لنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن هذه الدراسة ننتهى إلى قبول ماينقلونه- إذا توافرت فيهم شروط العدالة والضبط- أو نرفض مانقلوه، إذا لم تتوافر فيهم شروط القبول.

فهذا العلم يهتم بوضع القواعد التى فى ضوئها يتم دراسة أحوال الرواة من حيث توفر صفات القبول فيهم، أو عدم توفرها.

ولم يهتم هذا العلم بدراسة القواعد المنظمة لأحوال الرواة فقط- بل اهتم أيضا بدراسة المتن، فالنص النبوى الكريم له خصائص يتميز بها، وهذه الخصائص لابد أن تتميز بدراسة دقيقة، وقواعد منضبطة، حتى لا يضاف إلى كلام النبى (صلى الله عليه وسلم) ما ليس منه.

ومن هنا كان اهتمام علم مصطلح الحديث بدراسة أحوال السند والمتن معا.

وهذا شيء دقيق وعظيم، فهم لم يوجهوا جهدهم إلى دراسة السند فقط- وإنما كان اهتمامهم بدراسة أحوال السند والمتن معا.

وفى ضوء قواعد هذا العلم العظيم نقل لنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واضحا جليا خاليا من كل شبهة، نقيا من كل شائبة.

نشأة هذا العلم وتطوره:

بدأت بواكير هذا العلم منذ مرحلة مبكرة جدا، منذ عصر النبى (صلى الله عليه وسلم)، وبأمر من القرآن الكريم، الذى طلب منا التثبت من نقل الرواة، فى وعدم إقامة الأحكام قبل التأكد من صدقها، فقال سبحانه {يا آيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم من نادمين} (الحجرات ٦)

وتثبت الصحابة رضوان الله عليهم، واشتدوا فى أمر الرواية صيانة للدين، وحفظا للشريعة الغراء. فعل ذلك أبو بكر - رضي الله عنه -، وعمر - رضي الله عنه -، وغيرهما- فى أمثلة كثيرة يطول المقام بذكرها ثم توالت حلقات هذا العلم، فتكلم عن بعض قواعده من التابعين، سعيد بن المسيب والشعبى، والحسن البصرى، وابن سيرين، " وغيرهم

ثم تكلم فيه من بعدهم علماء كبار، مثل مالك بن أنس، والزهرى، وسليمان التيمى.

وجاءت مرحلة جديدة دخل فيها علم مصطلح الحديث طورا جديدا من أطوار نشأته وتكوينه وذلك بتدوين بعض مباحثه بين ة طيات كتب العلماء.

فممن كتب فى بعض مباحثه فى ثنايا مؤلفاته، الإمام الشافعى المتوفى سنة ٢٠٤ هـ رحمه الله تعالى، حيث تكلم فى كتابيه "الرسالة" و "الأم " عن بيان السنة للقرآن الكريم، وعن الاحتجاج بالسنة، وتكلم الإمام البخارى المتوفى سنة ٢٥٦ هـ فى صحيحه، وتواريخه، عن بعض مسائل علم مصطلح الحديث، وكذلك الإمام مسلم المتوفى سنة- ٢٦١ هـ تكلم فى مقدمة صحيحه عن بعض مسائله.

ثم جاءت مرحلة أخرى دخل فيها علم مصطلح الحديث مرحلة المصنفات المستقلة، التى ألفت خصيصا لهذا العلم.

فمن أول من صنف فيه القاضى أبو محمد الرامهرمزى فى كتابه " المحدث الفاصل " والحاكم أبو عبد الله النيسابورى المتوفى سنة ٤٨٠ هـ، والخطيب البغدادى المتوفى سنة ٤٦٣ هـ وله عدة كتب فى فن المصطلح،

والقاضى عياض اليحصبى المتوفى سنة ٥٤٤ هـ وابن الصلاح المتوفى سنة ٦٤٣ هـ فى مقدمته الشهيرة، ولا يزال التأليف فى هذا العلم يتوالى حتى عصرنا الحاضر.

أ. د/ مروان محمد مصطفى


المراجع
١ - نخبة الفكر، لابن حجر ط مكتبة الغزالى دمشق، ومؤسسة مناهل الفرقان بيروت الطبعة الثانية ١٤١٠ هـ- ١٩٩٠ م.
٢ - الوسيط فى علوم ومصطلح الحديث، للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة ط دار الفكر العربى.
٣ - لمحات فى أصول الحديث، للدكتور محمد أديب صالح ط المكتب الإسلامى الطبعة الرابعة ١٤٠٥ هـ ١٩٨٥ م.

<<  <   >  >>