للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٩ - الخوف]

جاء لفظ الخوف فى القرآن الكريم فى ست وعشرين آية، مُنكّراً ومعرَّفا ومضافا، وقد ورد الأمر به- كشرط للإيمان- فى قوله تعالى:} وخافون إن كنتم مؤمنين {(آل عمران ١٧٥). والخوف من الله قد يكون خوفا من عقابه على المعاصى، أو طمعا فى جنته، والعبادة مع هذا الخوف لا تتمحض لوجه الله، فهى وسيلة للنجاة من العقاب أو الطمع فى الثواب، وللنفس فى هذه العبادة حظ ونصيب، وقد يكون الخوف من الله تعالى لمقامه العظيم ليس إلا، وهذا الخوف ينشأ من كثره التأمل عند العُبّاد- فى مقايسة ذل العبودية إلى عز الألوهية وجبروتها، وليس للنفس فى العبادة الناشئة عن هذا الخوف أدنى نصيب فى طمع أو نفع، ولعل هذا ما تشير إليه الآية الكريمة:} ولمن خاف مقام ربه جنتان {. (الرحمن ٤٦).

ويحتل موضوع "الخوف " مكانة بارزة فى أنظار الصوفية وأقوالهم، سواء من حيث " المفهوم " أو

" المراتب " أو " الثمرات الروحية التى تثمرها كل مرتبة. وربما كان الكلاباذى (ت ٣٨٠ هـ) من أوائل من عالجوا هذا الموضوع من منظور صوفى بعد الحكيم الترمذى (المتوفى حوالى ٣١٨ هـ) والنِّفرى (المتوفى بعد سنة ٣٦٦ هـ. لكننا نجد تحليلاً أدق لهذا الموضوع فى "منازل السائرين " للهروى (المتوفى ٤٨١ هـ)، الذى أهتمَّ بتحرير مفهوم "الخوف " وبيان درجاته الثلاث، وهى: درجة العامة الذين يخافون من العقوبة، ودرجة أهل المراقبة، الخائفين من المكر وسلب لذة الحضور، ثم درجة أهل الخصوص، وهى أعلى درجات الخوف وفيها يسمى الخوف: "هيبة"، وهؤلاء يخافون من " الإعراض " بعد " الإقبال "، وتبلغ هذه الدرجة ذروة سنامها فى أنموذج النبى - صلى الله عليه وسلم - لأنه "لا إقبال أتم من إقباله " فلا خوف أشد من خوفه، وهنا يشير الصوفية إلى حديث مسلم: "... إنى لأتقاكم لله وأخشاكم له " (رواه مسلم).

وتمتاز معالجة القشيرى (ت ٤٦٥ هـ) لموضوع الخوف بشيء غير قليل من المنهجية وتنظيم الأفكار، وربما ظل تعريف القشيرى للخوف هو التعريف الثابت فى كتابات من جاءوا بعده وكتبوا فى مصطلح "الخوف " مثل: الإمام الغزالى، والقاشانى، والجرجانى، وابن عربى وغيرهم. وقد مزج القشيرى- كعادته- فى شرح هذا المصطلح بين "البُعد الصوفى العرفانى" المتمثل فى أقوال الصوفية وتجاربهم وحكايات الخائفين ومأثوراتهم، وبين "البُعد الشرعى" المرتكز على آيات من القرآن وأحاديث من السنة الصحيحة (١). غير أن أوفى دراسة عن الخوف وأعمقها فى التراث الصوفى نجدها عند الإمام الغزالى (٤٥٠ - ٥٠٥ هـ) فى كتابه: الإحياء؛ فقد تناول فيها- بإسهاب- حقيقة الخوف وبيان درجاته، وفضيلته، وهل الأفضل: الخوف أو الرجاء؟ وأيضا: علاج الخوف ودواءه، وبيان أحوال الخائفين من الأنبياء والصالحين، وغير ذلك.

أ. د/ أحمد الطيب

١ - انظر على سبيل المثال- حديث عائشة الذى أورده القشيرى من جامع الترمذى: أبواب التفسير، باب: ومن سورة المؤمنين، حديث ٣١٧٥. ط. دار السلام. الرياض، (١٤٢٠هـ -١٩٩٩م)


المراجع
٢ - التعرف لمذهب أهل التصرف الكلاباذى: ٩٧ - ٩٨، ط. عيسى الحلبى. مصر ٠ ١٣٨ هـ- ٠ ١٩٦ هـ.
٢ - الرسالة القشيرية، للقشيرى: ٦٤ - ٦٧ ط. مصطفى الحلبى- القاهرة ١٣٥٩هـ - ١٩٤٠م.
٣ - منازل السائرين (بشرح القاشانى) عبد الله الأنصارى: ١٠٦ - ١٠٩، تحقيق محسن بيدارخر، ط. إيران ١٤١٣ هـ
٤ - إحياء علوم الدين الغزالى ٤: ١٥٢ - ١٨٥. ط. عيسى الحلبى، القاهرة، بدون تاريخ.
٥ - لطائف الإعلام بإشارات أهل الإلهام. عبد الرازق القاشانى، ١: ٥٦ ٤ - ٥٨ ٤، تحقيق سعيد عبد الفتاح، ط- دار الكتب المصرية ١٩٩٥م

<<  <   >  >>