للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣ - شرع من قبلنا]

لغة: الشرع عبادة عن البيان والأظهار يقال: شرع الله كذا أى جعله طريقا ومذهبا، ومنه المشرعة (لسان العرب) (١).

وإصطلاحا: يراد بشرع من قبلنا. (٢) الأحكام التى شرعها الله تعالى للأمم السابقة وجاء بها الأنبياء السابقون، وكلف بها من كانوا قبل الشريعة المحمدية كشريعة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام.

وهذا الموضوع يمثل مدى صلة الشريعة الإسلامية بالديانات والشرائع السابقة، فمن القضايا المعروفة أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث فى سن الأربعين سنة ٦١١ م، وأن شريعته صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع، وقد أخبر القرآن الكريم والسنة الشريفة عن قصص الأنبياء السابقين وبعض الأحكام التشريعية فى شرائعهم، فهل أحكام شرائع الأمم السابقة كاليهودية والنصرانية نطالب بالعمل بها؟ (٣).

والكلام فى هذا الموضوع يتطلب بحث أمرين:

أولهما (٤): هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة متعبدا بشريعة سابقة، لأنه إذا كان متعبدا بشرع سابق، ولم ينسخ فى شريعته بعد نزولها فيكون ذلك مشروعا فى حقنا كمسلمين.

ثانيهما: هل النبى عليه الصلاة والسلام وأمته بعد البعثة متعبدون بشرع نبى سابق؟ وللاجابة على هذا نقول: إن تعبده صلى الله عليه وسلم بشريعة سابقة من ناحية الجواز العقلى لا مانع منه إذ لا دليل على استحالته، أما من ناحية الوقوع العقلى والجواز الشرعى فهو محل خلاف بين الأصوليين سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، فليراجع فى كتبهم.

وأعلم أن شرائع من قبلنا على أربعة أقسام (٥):

١ - الأحكام التى لم يرد لها ذكر فى شريعتنا لا فى الكتاب ولا فى السنة، فهذه الأحكام لا تكون مشرعا لنا بلا خلاف.

٢ - الأحكام التى نسختها شريعتنا مثل:

تحريم أكل ذى الظفر، وتحريم الشحوم التى تكون فى بطن الحيوان محيطة بالكرش (٦).

وتحريم الغنائم، فهذه أيضا ليست شرعا لنا بالاتفاق، بل منسوخة فى حقنا.

٣ - الأحكام التى أقرتها شريعتنا فلا نزاع فى أننا متعبدون لها؛ لأنها شريعتنا، لورود التشريع الخاص فيها، الصياد (٧) والاضحية (٨) وغيرها.

٤ - الأحكام التى علم قبولها بطريق صحيح، ولم يرد عليها ناسخ، ولكن لم تقرر فى شريعتنا كالتى قصها الله سبحانه فى كتابه، أو وردت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير إنكار ولا إقرار لها، مثل آية القصاص فى شريعة اليهود (٩)، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف بين الفقهاء.

أ. د/على جمعه محمد


الهامش:
١ - لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (شرع)، التعريفات للجرجانى (ص١١١) مصطفى الحلبى وشركاه ١٩٣٨ م، المعجم الوسيط (١/ ٤٧٩) دار المعارف.
٢ - القاموس القويم فى إصطلاحا الأصوليين للدكتور/محمد حامد عثمان (ص٢٢٥) دار الحديث طبعة أولى ١٩٦٦م.
٣ - أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبه الزحيلى ٢/ ٨٣٨ دار الفكر طبعة أولى ١٩٨٦م.
٤ - المرجع السابق نفس الصفحة.
٥ - انظر: الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد (٢/ ١٣٥)،وما بعدها، مكتبة الحرمين بالرياض ١٩٨٣م، تيسير أصول الفقه لمحمد أنور السيد خشانى (ص١٦١) طبعة كراتشى بباكستان سنة ١٩٩٠م.
٦ - أى فى قوله تعالى {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما أختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيم وإنا لصادقون} الانعام:١٤٦.
٧ - أى فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة:١٨٣.
٨ - حيث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت شريعة إبراهيم عليه السلام رواه ابن ماجه رقم ٣١٢٧.
٩ - أى فى قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة:٤٥.

مراجع الاستزادة:
١ - البحر المحيط للاركشى (٦/ ٣٦ وما بعدها) طبعة وزارة الأوقاف بالكويت ١٩٩٠م.
٢ - الحاصل من الموصول للأوموى، تحقيؤ عبد السلام ابوناجى (٢/ ٩٣٢) منشورات جامعة قاريونس بنغازى بليبيا.
٣ - شرح المحلى على جمع الجوامع (٢/ ٣٥٢)، الحلبى وشركاه

<<  <   >  >>