للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣ - الطرق الصوفية]

لغة: الطرق جمع طريق وهو السبيل، وطريقة الرّجُل: مذهبه.

يقال: مازال فلان على طريقة واحدة أى على حالة واحدة، والطريقة الحال. والصوفية: نسبة إلى الصوف، وهو للغنم كالشعر للمعز والوبر للإبل.

واصطلاحا: طرق مخصوصة ووسائل منتخبة فى السلوك، تشتمل على مجموعة قواعد ورسوم مقصودة ينشدها السالك ويستهدفها فى رياضته بما يؤدى إلى تصفية قلبه وتحصيل صفات الكمال والقوى الروحية للوصول إلى معرفة الله تعالى.

"وقد اختلف العلماء فى تعريف الصوفى، ويذكر السهروردى ضابطا يجمع جل معانيها، فيقول الصوفى هو الذى يكون دائم التصفية، لا يزال يصفى الأوقات عن شوب الأكدار: بتصفية القلب عن شوب النفس، ويعينه على كل هذه التصفية دوام الافتقار إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقى من الكدر، وكلما تحركت نفسه وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه " (١). وتتخذ الطرق الصوفية صورا شتى: فإما أن تكون فردية أو تتخذ صورة الأخوة الدينية، أو تتخذ صورة التقليد والتبعية الصارمة للشيخ الهادى أو الأستاذ المرشد أو صورة المنهج المبتكر والتأمل الذاتى والتجربة الشخصية المستقلة، وتختلف هذه الصور تبعا لمقدار ثقافة السالك ونضجه واستعداداته النفسية، فكما يقول ابن خلدون: إن "الطرق إلى الله تعالى عدد أنفاس الخلائق وإن كل واحد فى نفسه طريق، فكل سالك يليق به من التربية ما لايليق بغيره، والواردات والمواهب، والعلوم والإلقاءات والعوارض فى السلوك تختلف بحسب الأشخاص والأحوال والبدايات والنهايات والقوة والضعف، وسبيل سلوكهم غير متفق " (٢).

إلا أن سبيل الوصول عند القوم في عمومه واحد، وهو "العلم بكيفية تطهير القلب من الخبائث والمكدرات، بالكف عن الشهوات، وإخماد القوى البشرية بقطع جميع العلائق البدنية، والاقتداء بالأنبياء صلوات الله عليهم- فى جميع أحوالهم، فبقدر ما يتجلى من القلب ويحاذى به شطر الحق تتلألأ فيه حقائق الوجود" (٣). وهذه هى

الرياضة والمجاهدات.

والصوفى السالك وهو فى طريقه إلى التماس الحقيقة لابد أن يتخذ لنفسه هاديا، شيخا أو مرشدا، قد خبر المجاهدات، وقطع بها طريق الله، وتجلت له الأنوار، فهو يعرف أحوالها ويدرج المريد فى عقباتها حتى تتاح له الرحمة الربانية، ويحصل له الكشف والاطلاع.

وهذه التبعية من السالك للشيخ أمر لازم عند الصوفية: لأن النقل وحده لايفضى بالسالك إلى مطلوبه، لأن مدارك هذه الطريقة ليست من قبيل المتعارف من العلوم الكسبية والصنائع، وإنما من مدارك وجدانية إلهامية، فلا يدرك تمييزها بالمعارف الكسبية بل تحتاج إلى الشيخ الذى يميزها بالعيان والشفاه.

ولكل طريق من هذه الطرق مقاماته يتدرج فيها السالك وكذا الأحوال النفسية المصاحبة لها، وتتفاوت الطرق فى ذكر المقامات ووصف الأحوال، وقد كانت فى بداية النمو الداخلى لحركة التصوف بسيطة فقد عدها الجنيد البغدادى أربعة مقامات وهى اتوبة تحل الإصرار، وخوف يزيل الغرة، ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات، ومراقبة الله فى خواطر القلوب. وعدها الطوسى سبعة مقامات وهى التوبة والورع، والزهدُ والفقر، والصبر والتوكل والرضا، وجعل الأحوال عشرة، وهى المراقبة والقرب والمحبة والخوف والرجاء والشوق والأنس والطمأنينة والمشاهدة واليقين. فى حين إن هذه المقامات والأحوال سرعان ما تضاعفت عند غيرهم حتى وصلت إلى مائة مقام، وروى أن بعض الشيوخ ذكروا لها ألف حالة.

وقد انعقد إجماع شيوخ الصوفية على ضرورة التزام المريد المطلق فى أثناء رياضته بأحكام الشريعة الظاهرة، والعمل بالتكاليف الدينية المكتوبة فقالوا: الطرق إلى الله تعالى كثيرة، وأصح الطرق وأعمرها وأبعدها عن الشبه اتباع القرآن والسنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية. وكان الجنيد يقول: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا لمن اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبع سنته ولزم طريقته (٤).

وادعى بعض المنتسبين إلى الصوفية إسقاط التكاليف الدينية والتنكر لها، إلا أنهم قوبلوا بالرفض المطلق من شيوخ الصوفية، فكان التسترى يقول " أصول طريقتنا سبعة: التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وتجنب المعاصى، ولزوم التوبة، وأداء الحقوق " (٥).

وقد كان للطرق الصوفية دور مهم فى نشر الإسلام، خاصة بأفريقيا، ومن هذه الطرق:

١ - الطريقة القادرية: ومؤسسها الشيخ عبدالقادر الجيلانى، والذى ولد بجيلان ٤٨٨ هـ ١٠٩٥م، وقد انتشرت طريقته فى العراق واليمن والصومال والهند وتركيا ومصر والمغرب.

٢ - الطريقة البكائية: وهى من الطرق التى تفرعت عن الطريقة القادرية، ومؤسسها أحمد البكاى فى نهاية القرن الخامس عشر، وقد ازدهرت بأفريقيا حتى ١٨٥٠م

٣ - الطريقة التيجانية: مؤسسها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار، وهو فقيه مغربى ولد ١١٥٠هـ ١٧٣٧م وقد اتخذ من فاس مقرا له، وأطلق على مريديه الأحباب.

٤ - الطريقة الخلوتية: وتنسب إلى كريم الدين الخلوتى المصرى وقد توفى ١٥٧٨م وعنها خرجت الطريقة التيجانية.

(هيئة التحرير)

١ـ عوارف المعارف للسهروردى ص ٦٥.

٢ - شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون ص ٨٧.

٣ - إحياء علوم الدين للغزالى ص ١٩٨.

٤ - طبقات الصوفية للسلمى ص ١١٥.

٥ - الرسالة القشيري ص ١٢.


المراجع
١ - اللمع لأبى نصر السراج الطوسى. تحقيق د/ عبدالحليم محمود، وطه عبد الباقى سرور- دار الكتب الحديثة- مصر ١٩٦٠ م.
٢ - التعرف لمذهب أهل التصوف- للكلاباذى- تحقيق محمود أمين النواوى- القاهرة ١٩٦٩ م.
٣ - الرسالة القشيرية- للقشيرى- مكتبة محمد على صبيح ١٩٥٧ م.
٤ - إحياء علوم الدين للغزالى- دار إحياء الكتب العربية ١٩٥٧ م.
٥ - عوارف المعارف للسهروردى. د ار الكتاب العربى- بيروت ١٩٦٦ م.
٦ - طبقات الصوفية لأبى عبدالرحمن السلمى- تحقيق نور الدين شريبة القاهرة.
٧ - الحياة الروحية فى الإسلام د/ محمد مصطفى حلمى- المطبعة الثقافية القاهرة ١٩٧٠ م.
٨ - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ احمد شلبى، مكتبة النهضة المصرية.
٩ - فى التصوف الإسلامى وتاريخه. نيكلسون ترجمة د/ أبو العلا عفيفى القاهرة ١٩٤٧ م.
١٠ - تاريخ الطرق الصوفية فى القرن التاسع عشر تأليف فريد رى يونج- ترجمة عبدالحميد فهمى الجمال- الهينة المصرية العامة للكتاب ١٩٩٥ م.
١١ - السلسبيل المعين فى الطرائق الأربعين، للسيد محمد بن السيد- الإدريسى، مطبعة المعاهد بالجمالية- القاهرة.
١٢ - المنهل الروى الرائق فى اسانيد العلوم وأصول الطرائق للسنوسى مطبعة حجازى القاهرة ١٣٧٣هـ / ١٩٥٤م.

<<  <   >  >>