للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٩ - الطورانية]

اصطلاحا: تنسب الطورانية إلى هضبة طوران الواقعة فى آسيا الوسطى، حيث كانت تعيش الأقوام التركية قبل نزوحها غربا إلى خراسان وما وراء النهر.

وقد قام (ضيا كوك آلب)، الأب الروحى للقوميين الأتراك بنشر منظومته الشهيرة (طوران) سنة ١٩١١م وفيها طرح فكرة الوحدة الطورانية. ومؤداها: "أن وطن الترك ليس الدولة العثمانية أو الأناضول وإنما هو (طوران) ثم دعى إلى الاهتمام برقى العنصر التركى أولا. إذ إن وحدة العنصر هى الباقية: فالدين لم يقض على الفوارق العنصرية.

وبعد هزيمة الدولة العثمانية فى حرب طرابلس سنة ١٩١١م وحرب البلقان سنة ١٩١٢م. راجت مثل هذه الدعاوى العنصرية وتبناها السياسيون، فأصبح (ضيا كوك آلب) عضوا بارزا فى الاتحاد والترقى ويبدو أن تبنى جماعة الاتحاد والترقى لهذه النزعة جاء كرد فعل لظهور الدعوة إلى القومية العربية آنذاك فى الشام. حيث ظهرت مؤلفات تدعو إلى القومية منها ما نشره نجيب عاذورى سنة١٣٢٤هـ بعنوان (يقظة الأمة) وما نشره عبد الرحمن الكواكبى بعنوان (أم القرى).

وقد تبنى بعض الأتراك فكرة اللامركزية التى اتخذها حزب (الحرية والائتلاف) المعارض شعارا له.

وقد أدت هذه الدعوة إلى هزيمة تركيا فى الحرب العالمية الأولى وأدركوا أن مغالاتهم وتطرفهم أدى بدوره إلى وقوعهم فى كثير من الأخطاء السياسية. فراجعوا حساباتهم. وتخلوا عن مواقفهم فى كثير من الأمور منها:

١ - تخلى (ضيا كوك آلب) عن دعوته الطورانية، وظهر ذلك من خلال مقالات كتبها فى مجلة (يكى مجموعة) أى بمعنى: المجلة الجديدة وجاء ذلك رداً على مجلة (تورك يوردى) المغالية فى قوميتها.

وقد وضح وجهة نظره التى تهدف إلى "تقييم المبادئ فى إطار الظروف والأحداث السياسية وعرف القومية من وجهة نظره بأنها "الدعوة إلى النهوض بمستوى تركيا الحضارى وأن الوحدة السياسية بين العناصر التركية أى الطورانية أمر بعيد المنال، أما عن الإسلام: " فهو دين وعقيدة للأتراك ولا يمكنهم التخلى عنه ".

وقد ردد هذه الأفكار ثانية فى كتابة (التركية والإسلامية والعصرنة) واعترف بأن صفة الإسلام هى التى تميز الأتراك عن غيرهم من الأمم، ولكن ينبغى أن تترجم معانى القرآن وكذلك الآذان والأدعية إلى التركية حتى يكون الدين ملكا لكل تركى مسلم.

ثم نادى بان تنحصر العصرنة فى نقل العلوم والتقنية فقط من الغرب: إذ إن محاولة اللحاق بركب الحضارة الغربية لا يعنى تقليد العادات والتقاليد الأوروبية.

ثم جاء فى كتابه (أسس القومية التركية) لينفى صفة العنصرية عن دعوته قائلا بأن القومية فى التاريخ إنما تعنى الإحساس بالانتماء إلى تراث الأتراك جميعا، وليس تراث عشيرة (فابى) التى ينتمى إليها العثمانيون

بداية ظهور القومية التركية:

وفكرة القومية التركية ظهرت من خلال أن الأبحاث التاريخية التى بدأت تتبع مواطن الأتراك الأوائل بالتنقيب فى المصادر الصينية. وبدأت هذه الأبحاث فى القرن الثانى عشر الهجرى. وزاد الاهتمام بها حين استطاع المستشرق الدانماركى (بروفيسوف طومسون) آن يقرأ كتابات آورخون فى آوا خر القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى ثم جاء عالم مجرى يدعى (فامبرى) يرتدى زى الدراويش المتصوفة ويتحدث التركية ليجوب تركيا والتركستان ويصل فى رحلته إلى الصين ثم عاد إلى أستانبول وأخذ يتحدث مع المثقفين الأتراك عن صفاء العنصر التركى فى أقاصى آسيا وتعبيره لهم عن إعجابه به.

وفى نفس الفترة تقريبا أصدر عالم لغويات روسى يدعى (رادولف) قاموسا للتركية والألمانية كتب عليه المعجم التركى وأعقب ذلك ظهور كتاب (مدخل لتاريخ آسيا) لليهودى (ليون كاهن) الذى اتصل بجماعة الشبيبة العثمانية فى باريس.

وكان لأعمال المستشرقين الأثر الكبير فى إحساس الأتراك بقوميتهم. كما أوعزوا إليهم فكرة أنهم أتراك قبل أن يكونوا عثمانيين أو مسلمين. وسرعان ما آتت جهود المستشرقين ثمارها إذ قام أحمد وفيق باشا سنة ١٨٧٦م بإصدار قاموس يسمى لهجة عثمانى تناول فى مقدمته اللغة التركية وجذورها. ثم كتب سليمان باشا (تاريخ عالم) مردداً فيه ما ذكره الباحثون الغربيون عن الأصول التركية، ورغم ذلك لم تظهر كلمة تركى فى أى من هذه المؤلفات وذلك لآن سياسة السلطان عبد الحميد لم تكن لتسمح بفصل ما هو تركى عما هو عثمانى.

الدعوات السلفية:

أثارت هذه الحركات ردّ فعل شديد فى الأوساط العثمانية مما جعل المصلحون ينادون بضرورة العودة إلى المبادئ الإسلامية كشرط للإصلاح الاجتماعى والسياسى والأمثلة على ذلك عديدة تمثلت فى الدعوات السلفية سواء فى داخل الأناضول أو فى الولايات العثمانية الأخرى مثل دعوة الشيخ محمد قاضى زاده، ودعوة الشيخ سعيد النورسى.

وتمثلت الدعوة الإسلامية فى نقطتين:

الأولى: أنه لا يأتى الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى والسياسى إلا بالعودة إلى المبادئ الإسلامية.

الثانية: إيقاظ الشعور لدى المسلمين فى تركيا وغيرها حتى يتحد المسلمون صفاًّ

أمام القوى الاستعمارية. ومثل شعر محمد عاكف شعر الدعوة الإسلامية بكل خصائصه، إلا أن الشاعر قد تنباً بأن هذه الفوضى ستكون تربة صالحة لبذور الشقاق والفتنة فى تركيا.

(هيئة التحرير)


المراجع
١ - تاريخ الحضارة الإسلامية، بارتولد حمزة طاهر، القاهرة ١٩٦٦ م.
٢ - فى الأدب العربى والتركى، حسين مجيب المصرى، القاهرة ١٩٦٢ م.
٣ - الأدب التركى الإسلامى، د. محمد عبد اللطيف هريدى- نشرته إدارة الثقافة والنشر بالجامعة- القاهرة ١٩٨٧ م.
٤ - معالم الأدب التركى الحديث- كنعان آفيوز، ترجمة د. محمد هريدى وآخرون، القاهرة ١٩٨٢ م.
٥ - دراسات فى الأدب والتاريخ التركى المصرى- ندوة علمية، طبعة دار الفكر العربى القاهرة ١٩٨٥ م.

<<  <   >  >>