للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣٢ - علم الفلك]

لغة: المدار الذى يسبح فيه الجرم السماوى.

واصطلاحا: يتناول دراسة المجرات البعيدة والمذنبات، والشهب والنيازك والنجوم والكواكب أو مجموعات النجوم ويبحث فيه الفلكيون عن جوهر الكون مستخدمين أعينهم أو المنظار الثنائى أو التلسكوب أو سفن الفضاء.

ويتميز علم الفلك بأنه العلم الذى ليس له حد يفصل بين الهواة والمحترفين، بل إنه فى أحيان كثيرة تكون لمعلومات الهواة فائدة كبرى للفلكيين فى أبحاثهم.

وبالنظر إلى مجموعات النجوم فى الفضاء، نجد أن كل مجموعة لها حدود ونجوم متألقة ونجوم أقل تألقا ونجم كبير.

والآن يتعرف الفلكيون على ٨٨ مجموعة فى السماء تقع ٤٤ منها فى النصف الشمالى للسماء، و ٤٤ فى النصف الجنوبى.

وعلى مر العصور كان للثقافات المختلفة اهتمامات بمجموعات نجوم خاصة بها.

وللتعرف على هذه المجموعات يجب النظر إلى السماء عندما يكون القمر محاقا، ومع استمرار التحديق فى أى مجموعة نلاحظ حركتها من الشرق إلى الغرب نتيجة لدوران الأرض حول محورها.

وعندما ننظر إلى السماء تظهر لنا على هيئة نصف كرة ولكنها فى الحقيقة كرة كاملة، تسمى القبة السماوية وتحيط بالكرة الأرضية ويظهر لنا القمر والنجوم والكواكب والمجرات وكل ما هو موجود فى الكون كأنه متصل بهذه القبة السماوية. وكما يتم تحديد الأماكن على سطح الأرض بخطوط الطول والعرض يتم تحديد مواقع الأجسام السماوية بعنوان مشابه، وهما خط الطول وزاوية السمت. ونظرا للعدد الهائل للنجوم، فإنه من الصعب جدا إيجاد المسافات بينها، ولكن أقصى ما يمكن عمله هو إيجاد المسافات بين أنواع مميزة من النجوم، أو المسافات التى تفصل بين النجوم فى منطقة صغيرة، فإذا جمعنا هذه البيانات أمكن وضع تصور قريب من الواقع لأبعاد الكون.

وقد بدأ اهتمام الإنسان بعلم الفلك منذ خلقه الله، وقد قام بملاحظة القمر منذ فجر التاريخ وأحيانا كان يقدسه وأحيانا يدرسه، ومنذ عام ١٩٦٩ بدأ يمشى على سطحه كما قام بجمع عينات من حجارته.

ولقد كان للعرب والمسلمين دور كبير فى تقدم علم الفلك، إذ كانت بعض مسائله مما يطالب المسلم بصرفتها كأوقات الصلاة التى تختلف بحسب الموقع، وتتغير من يوم إلى يوم، وفوق ذلك فاتجاه المسلمين إلى الكعبة فى صلواتهم يستلزم معرفتهم سمت اتجاه القبلة وكذلك هلال رمضان وأحكام الشريعة والصوم.

وبدأ اهتمام العرب والمسلمين بترجمة كتب الفلك فى العصر الأموى بدءا بكتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم، ثم بعد ذلك كتاب السند هند الكبير الذى اختصره الخوارزمى (توفى عام ٢٣٢هـ/٨٤٦م) فيما بعد وكتاب الأربع مقالات فى صناعة أحكام النجوم لبطليموس الذى نقله أبو يحيى البطريق (توفى عام ٢٠٠هـ/٨١٥م)، وكتاب المجسطى لبطليموس والذى شارك فى شرحه ونقله وإصلاح أغلاطه عدد من الفلكيين العرب مثل النيريزى (توفى عام ٣١٠هـ-٩٢٢م) والبوزجانى (توفى عام ٣٨٨هـ-٩٩٨م) والبيرونى (توفى عام ٤٤٠هـ-١٠٤٨م) والطوسى (توفى عام ٦٧٢هـ-١٢٧٤م) والشيرازى (توفى عام ٧١٠هـ-١٣١١م)، ثم بعد ذلك أسهم علماء الفلك العرب بمؤلفاتهم القيمة مثل: "ماشاء الله" الذى ألف فى الإسطرلاب ودوائره النحاسية و"يحيى بن ابى منصور" الذى وضع زيجا (جدولا) فلكيا مع "سند بن على". وفى عهد الخليفة المأمون ألف "موسى بن شاكر" و "أحمد بن عبدالله بن حبش" أزياجا (جداول) فى حركات الكواكب.

وقد قام علماء الفلك فى عهد المأمون بتقدير محيط الأرض وتوصلوا لقيمة تقترب من القيمة الحقيقية، كما وضع البيرونى نظرية بسيطة لتقدير محيط الأرض، ودقق الفلكيون العرب فى حساب طول السنة الشمسية، وأخطأوا فى حسابهم بمقدار دقيقتين و ٢٢ ثانية ويعود سبب الخطا إلى اعتمادهم على أرصاد بطليموس.

وقد توصل البتانى (توفى عام ٣١٧هـ/٩٢٩م) إلى تقدير بعد الشمس عن الأرض بأنه يساوى ١٠٧٠ مرة، مثل نصف قطر الأرض وهذه النتيجة قريبة من القيمة الحقيقية.

وقد وضع الصوفى (توفى عام ٣٧٦هـ/٩٨٦م) جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت، وكان أول من أشار فى عام ٩٦٤م إلى التجمع النجمى أندروميدا، ووصفه بأنه سحابة صغيرة، وظلت هذه الحقيقة قائمة حتى وضع عالم الفيزيقا المعاصر واينبرج أفكاره عن الثلاث دقائق الأولى فى عمر الكون عام ١٩٧٧م.

ويمكن تلخيص فضل العرب والمسلمين على علم الفلك، بأنهم نقلوا الكتب الفلكية عن اليونان والفرس والهنود والكلدان والسريان، وصححوا بعض أغلاطها وتوسعوا فيها، وهذا عمل جليل لا سيما إذا عرفنا أن أصول تلك الكتب قد ضاعت، ولم يبق منها غير ترجماتها العربية، وعن هذه الترجمات نقل الأوربيون أصول علم الفلك، كما هى وقد أضاف العرب اكتشافات قطع بها علم الفلك شوطا كبيرا، ويذكر أن نصف أسماء النجوم هى من وضع العرب ولاتزال مستعملة بلفظها العربى فى اللغات الأجنبية. كما يشهد للعرب أنهم جعلوا علم الفلك علما استقرائيا يعتمد على المشاهدات، كما أنهم قد طهروا علم الفلك من أدران التنجيم.

وقد تطور علم الفلك فى عصر النهضة (لقرون ١٥ - ١٧) تطورا كبيرا. فقد كان العلماء فى التاريخ القديم (منذ بطليموس فى القرن الثانى الميلادى) يعتبرون أن الأرض مركز العالم، ويقول علماء الغرب أن هذا الاعتقاد ظل سائدا لمدة أربعة عشر قرنا حتى اقترح الفلكى البولندى "كورنيقوس" ١٤٧٣ - ١٥٤٣م) أن الأرض والكواكب تدور فى مسارات دائرية حول الشمس، ثم قام الفلكى الدانيمركى "تيكوبراها" (١٥٤٦ - ١٦٠١م) بإجراء قياسات فلكية على مدار عشرين عاما كانت الأساس الذى بنى عليه نموذجا للمجموعة الشمسية.

وبعد ذلك قام الفلكى الألمانى "تبلر" (١٥٧١ - ١٦٣٠م) بوضع قوانينه الثلاثة لشرح الحركة الكوكبية، وفى عام ١٩٢٩ توصل العالم الأمريكى هارلوشيبلى (١٨٨٥ - ١٩٧٢) إلى أن شكل المجرة مفلطح، وتشبه ساعة المعصم، وتحتوى على النجوم والسديم والسحب النجمية، وأن الشمس والكواكب لا تقع فى مركزها، وأن رحلة الضوء من مركز المجرة فى اتجاه حدودها حيث الشمس والنجوم المرئية تبلغ أكثر من خمسين ألف سنة.

وفى عام ١٩٧٧ نشر عالم الفيزيقا ستيفن واينبرج (١٩٣٣) الحائز على جائزة نوبل فى الفيزيقا كتابا بعنوان الدقائق الثلاث الأولى يشرح فيه فكرة أصل الكون القائمة على أساس نموذج الانفجار العظيم، المبنى على عدد كبير من نتائج التجارب العملية الفيزيقية المختلفة، كما تعتمد الفكرة على أن الكون فى تمدد مستمر.

وكان الفلكى توماس رايت، قد قال عام ١٧٥٠م: "منذ أن كانت الخليقة فإن الخالق نفسه يتجلى فى كل ما حولنا فإننا نستطيع أن نقرر أن هناك ١٧٠ مليون عالم مسكون فى مجرتنا. فى هذا الخلق الكونى العظيم فإن كارثة عالم مثل عالمنا أو حتى الاختفاء التام لعدد من النظم الكونية قد يكون ممكنا لمؤلف الطبيعة العظيم تماما كإمكانية حدوث حادث لحياة أحدنا".

وقد ذكر العالم الباكستانى محمد عبدالسلام أنه أنهى حديثه عند استلامه جائزة نوبل فى الفيزيقا بالآيتين التاليتين:

قال تعالى: {الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك:٣،٤.

أ. د/على حلمى موسى


مراجع الاستزادة:
١ - تاريخ الفلك عند العرب د/إمام إبراهيم أححمد.
٢ - الجغرافيا الفلكية شفيق عبدالرحمن على، دار الفكر العربى سنة ١٣٩٧ هـ.
٣ - الطبيعة الجوية د/محمد جمال الدين الفندى. الكويت سنة ١٩٧٧م.
٤ - تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك قدرى حافظ طوقان دار القلم سنة ١٩٦٣ م القاهرة

<<  <   >  >>