للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١ - الفاطميون]

هم أسرة حكمت فى شمال أفريقيا، وأقامت خلافة إسلامية معارضة بها الخلافة العباسية فى بغداد فى أوائل القرن العاشر الميلادى، وهم ينتسبون إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهم شيعة علويون فى نسبهم، إسماعيليون فى مذهبهم، كما يطلق عليهم العبيديون نسبة إلى مؤسس دولتهم عبيد الله المهدى (٢٩٧ - ٣٢٢ هـ/٩٠٩ - ١١٣٤م) الذى ولد بالكوفة أو سلمية بسوريا.

وقد تأسست الدولة الفاطمية أول الأمر فى تونس، واتخذت القيروان عاصمة لها، ثم أقام خليفتها الأول أبو محمد عبيد الله المهدى مدينة المهدية، التى تقع على بعد ١٠٧ كم جنوب القيروان عاصمة لخلافته (٠٨ ٣ هـ/ ٩٢٠ م) (١) وأخضع قبائل صنهاجة بالمغرب الأقصى، وقضى على نفوذ الأدارسة فى فاس، واستولى على الجزائر وتونس وطرابلس ثم برقة، ولكنه فشل فى هجومه على مصر عدة مرات؛ ثم توفى (٢).

وبذل الخليفة الثانى أبو القاسم محمد القائم بأمر الله (٣٢٢ـ ٣٣٤ هـ/٩٣٤ - ٩٤٥ م) غاية همته لتوسيع نطاق دولته، فأرسل أسطولا أغار على شواطئ إيطاليا وفرنسا والأندلس، كما أرسل جيشا إلى مصر هزمه الإخشيديون، ثم صرف بقية حياته فى حرب بعض الخوارج بقيادة أبى يزيد الخارجى الذى ثار عليه؛ بغية انتزاع الملك منه (٣).

وفى عهد الخليفه الثالث أبى طاهر إسماعيل المنصور بالله (٣٣٤ - ١ ٣٤ هـ/٩٤٥ - ٩٥٢ م) ثم الاستيلاء على صقلية (٣٣٥ هـ/٩٤٦ م)، كما تم القضاء على ثورة أبى يزيد الخارجى، ثم أعقبه الخليفة الرابع أبو تميم معدّ المعز لدين الله (١ ٣٤ - ٣٦٥ هـ/٩٥٢ - ٩٧٥ م) الذى ولد بالمهدية، واستطاع قائده جوهر الصقلى (ت ٣٨١هـ / ٩٩٢م) أن يفتح فاس وسلجماسة، وانقادت له بلاد الشمال الأفريقى كلها حتى ساحل الأطلس، ماعدا سبتة التى بقيت لبنى أمية (أصحاب الأندلس) ونتيجة لاضطراب أحوال مصر عقب وفاة كافور الإخشيدى، فقد أشار المعز إلى قائده جوهر بالسير إلى مصر لأهميتها السياسية والحربية والاستراتيجية، حيث نجح فى فتحها سنة (٣٥٨ هـ/٩٦٩ م) واختط مدينة القاهرة وبها قصر الحاكم، والجامع الأزهر (نسبة إلى فاطمة الزهراء) بالإضافة إلى العديد من المنشآت الإدارية وسماها القاهرة المعزية (٤) التى أصبحت عاصمة للخلافة الفاطمية بعد أن دخلها المعز لدين الله بأهله وبيت ماله ورجال دولته. بل وبرفات أجداده (١ ٣٦ هـ/١٩٧٢ م)، حيث ظلت عاصمه للفاطميين إلى انتهاء دولتهم، وباتخاذ القاهرة عاصمة للّخلافة الفاطمية رجحت كفة الفاطميين على العباسيين فى بغداد، وارتفع شأنهم فامتد نطاق حكمهم من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسى ليشمل- فضلا عن الشمال الأفريقى- سوريا وفلسطين واليمن ومكة والنوبة، بل وصل إلى الموصل وكادوا يقتحمون بغداد على الخلافة العباسية، وكان الأسطول الفاطمى يفرض سلطانه على البحر المتوسط، بل ويهدد الشواطئ الجنوبية لأوروبا. (٥)

إن الاستقرار السياسى الذى شهدته الخلافة الفاطمية فى مصر فى عهد المعز لدين الله

(١ ٣٤ - ٣٦٥ هـ/٩٥٢ - ٩٧٥ م)، والعزيز بالله (٣٦٥ - ٣٨٦ هـ/ ٩٧٥ - ٩٩٦ م)، والحاكم بأمر الله (٣٨٦ - ٤١١ هـ/٩٩٦ - ١٠٢٠م) نتج عنه ازدهار اقتصادى، وعلمى وعمرانى، حيث عم الرخاء البلاد وانتشرت مظاهر التحضر والازدهار والرخاء المادى الذى بلغ حد الترف بصورة لم تعرفها مصر منذ زمن بعيد، كما ازدهرت الحياة العلمية برعاية خلّفاء الفاطميين ووزرائهم، حيث جلبت نوادر الكتب والمخطوطات فى كل علم وفن، حيث بلغت محتويات "خزانة الكتب " بالقصر مليونا وستمائة ألف كتاب، ونشطت الحركة العلمية لنشر العلم وتدعيم المذهب الشيعى فى الجامع الأزهر الذى عقدت له الزعامة الثقافية والعلمية والدينية، وفى دار العلم (دار الحكمة) التى أنشأها الحاكم بأمر الله (٤٠٠ هـ/١٠٠٩م) والتى زودها بمختلف أنواع الكتب لتنافس بيت الحكمة فى بغداد، وبالنساخ والقراء وجميع أدواتهم، وقصدها العلماء فى كافة العلوم، هذا فضلا عن مجالس المناظرة فى قصور الخلفاء، والتى كان يحضرها مشاهير علماء العصر.

وفى العمران شيدت المنشآت الدينية فضلا عن الأزهر- كان جامع الحاكم بأمر الله (٤٠٣ هـ/١٠١٢ م) والجيوشى (٤٩٨ هـ/١٠٠٧م) والأقمر (٥١٩ هـ/١١٢٥م) ومسجد الصالح طلائع (٥٥٥ هـ/ ١٦٠ ١م) وغيرها من العمائر والمنشآت المدنية التى تشهد على ما بلغته البلاد من الرقى الفنى. وقد انقسم المجتمع المصرى فى عهد الفاطميين إلى سنى وشيعى، فالسنيون هم المصريون والأتراك والسودانيون؛ أما الشيعة فهم المغاربة حضروا مع الفاطميين، وكانت الإدارة فيهم، وكان الخلفاء متسامحين، فلم يجبروا أحدا على اعتناق المذهب الشيعى الأمر الذى حفظ للمصريين مذهبهم السنى كما اهتم الفاطميون بالاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية بشكل منقطع النظير، وكثير من مظاهر الاحتفالات الدينية السائدة فى مصر الآن ترجع بجذورها إلى أيام الفاطميين فى مصر.

وقد تضافرت عدة عوامل أدت إلى تدهور الفاطميين وضعفهم ثم زوال دولتهم، وذلك منذ عهد الظاهر (أبو الحسن على الظاهر لإعزاز دين الله (٤١١ - ٤٢٧ هـ/٠٢٠ ١ - ٠٣٥ ١م) ثم المستنصر بالله (أبو تميم) (٤٢٧ - ٤٨٧ هـ/ ١٠٣٥ - ١٠٩٤ م) منها: الإسراف فى استخدام جند من الأتراك والمغاربة والسودانيين، والتنازع بين طوائفهم، ثم توالى الخلفاء الضعاف الذين تولوا، وهم جميعا أطفال باستثناء الحافظ الذى تولاها وهو شيخ كبير، هذا فضلا عن انتشار المجاعات والأوبئة نتيجة نقص مياه النيل حينا واحتكار التجار أحيانا بالإضافة إلى التهديد الصليبى الذى كان يتطلع إلى السيطرة على مصر. إضافة إلى سيطرة قادة الجند والوزراء. فأصبح الصراع الحقيقى بين الوزراء أنفسهم كما حدث بين طلائع بن رزيك وشاور، وبين شاور وضرغام فاستنجد الأخير بعمورى ملك بيت المقدس، كما استنجد شاور بسلطان حلب نور الدين محمود الذى أرسل قائده أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين، حيث نجح شيركوه فى القضاء على ضرغام ثم شاور، وتولى الوزارة فى مصر لآخر خلفاء الفاطميين وهو الخليفة أبو محمد عبد الله العاضد لدين الله (٥٥٥ - ٥٦٧ هـ) (١١٦٠هـ /١١٧١ م) وبعد وفاة شيركوه خلفه على الوزارة فى مصر صلاح الدين، ولما مات الخليفة العاضد (٥٦٧ هـ/ ١١٧١م) أزيل شعار الفاطميين وقامت الدولة الأيوبية فى مصر على يد صلاح الدين الذى أعادها إلى المذهب السنى والخلافة العباسية (٦).

ظلت الدولة الفاطمية منذ بدء إعلانها فى سنة (٢٩٧ هـ/٩٠٩ م) وحتى سنة (٥٦٧ هـ/ ١١٧١م) مائتين وسبعين عاما تولى الخلافة فيها أربع عشرة خليفة أولهم أبو محمد عبد الله المهدى غير أن الخلافة لم تأت إلى مصر إلا سنة (١ ٣٦ هـ/٩٧٢ م) حين دخلها الخليفة الرابع المعز لدين الله، وبذلك يكون قد تواتر عليها أحد عشر خليفة أولهم المعز وآخرهم العاضد.

أ. د/ السيد محمد الدقن


المراجع
١ - اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، ص ٤١، ٥ ٤ المقريزى تحقيق د جمال الدين الشيال، دار الفكر القاهرة ١٣٦٧ هـ، ١٩٤٨ م.
٢ - النجوم الزاهرة: ابن تغرى بردى ٢/ ٥١ - ٥٣ المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.
٣ - تاريخ مصر: ص ٢١١ عمر الإسكندرى، وسفرج.
٤ - الكامل فى التاريخ ابن الأثير، ٨/ ٩٨ دار صادر بيروت ١٣٩٩ هـ/ ٩٧٩ ١ م
٥ - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ١/ ٠ ٣٢، ٣٢٤ دار صادر بيروت
٦ - الأحداث السياسية فى مصر منذ الفتح العربى حتى سقوط الدولة الفاطمية ص ١٣٣ د. محمد أحمد حسب الله
٠ ٢ - ٥٦٧ هـ الطبعة الأولى، دار الفكر العربى، القاهرة، ١٩٩٥ م.

<<  <   >  >>