للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٠ - الفِرَق

لغة: الفرق: جمع فرقة، وهى الطائفة من الناس تجمعها آراء واحدة تتفق عليها وتعمل على نشرها وتأييدها والدفاع عنها.

واصطلاحا: يقسم الباحثون الفرق الإسلامية إلى قسمين:

١ - فرق سياسية ٢ - فرق اعتقادية.

وليس معنى هذا أن الفرق السياسية لا تتناول مسائل اعتقادية- كالخوارج الذين بحثوا مسألة مرتكب الكبيرة وحكمه فى الدنيا والآخرة وعلاقة الإيمان بالعمل وغير ذلك من المسائل الاعتقادية البحته- كما أن الفرق الاعتقادية قد تتناول أموراً سياسية، إذ ليست هناك حدود فاصلّة بين العقيدة والسياسة فى الإسلام. ولكن وصف "الفرقة" بأنها "سياسية " أو " اعتقادية" يعود إلى الأساس الذى قامت عليه، والمنطلق الذى انبثقت منه- عند نشأتها الأولى- سياسيا كان أو اعتقادياً.

وتروى عدة أحاديث نسبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق الأمة الإسلامية إلى عدة فرق؛ منها الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه- عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة"، وأخرج الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "إن بنى إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعون فرقة، وتخلص فرقة. قيل: يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة. الجماعة" وفى راوية للحاكم. "وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملة، كلها فى النار إلا ملة واحدة، فقيل له: وما الواحدة قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابى". الأحاديث والروايات متعددة فى هذا الباب- مما يجعلها فى درجة التواتر المعنوى- وليس المراد بالعدد الحصر بل الكناية عن الكثرة.

ومن أهم الفرق السياسية فى الإسلام " الخوارج " "والشيعه؛ وذلك لأن منطلق كلتيهما كان مسألة "الخلافة"، ومن هو أحق الناس بها- كما أن من أهم الفرق الاعتقادية: " المعتزلة " "والأشاعرة " "والماتريدية" والمرجئة" والقدرية" والجبرية" والمجسمة ". هذا بالإضافة إلى "السلف ".

وكانت فرقة "الخوارج " أسبقها إلى الظهور؛ حيث ظهرت فى عهد على بن أبى طالب - رضي الله عنه - بعد قضية "التحكيم". أما فرقة "الشيعة" فمتأخرة عنها- نعم كان هناك أفراد يحبون "عليا" - رضي الله عنه - ويرون أنه كان أولى بالخلافة من "أبى بكر" وعمر" وعثمان، - رضي الله عنهم - ولكن هؤلاء الأفراد لم يأخذوا صورة فرقة ذات كيان متميز ونشاط واضح- إلا بعد ظهور الخوارج- رغم حرارة العاطفة التى كانوا يكنونها لعلى وآل البيت. أما "الثوار" الذين قتلوا الخليفة الثالث "عثمان " - رضي الله عنه - فلم يكونوا من "الشيعة"- حيث لم تكن هذه التسمية قد ظهرت بعد كمصطلح على فرقة تنحاز إلى علىّ ونسله، وترى أنهم أحق بالخلافة- من سائر المسلمين- حتى إنه فى عهد خلافة علىّ - رضي الله عنه - لم يكن مصطلح "الشيعة" خاصا بأنصار "علىّ" بل كان يقال "شيعة علىّ" "وشيعة معاوية" بمعنى أنصار علىّ وأنصار معاوية- ولم تتبلور فرقة "الشيعة " كجماعة لها كيانها المتميز وآراؤها الخاصة بها، ونظامها فى الدعوة إليها والدفاع عنها وتكثير أتباعها، والبحث عن أدلة من الكتاب والسنة تؤيد دعاويها إلا بعد استشهاد الحسين - رضي الله عنه - فى خلافة يزيد بن معاوية، فبرزت فرقة "الشيعة" تنادى بإقامة دولة يكون الحكم فيها مقصورا على نسل "علىّ" - رضي الله عنه -.

أما الفرق الاعتقادية فلم يبدأ ظهورها إلا فى عصر"بنى أمية"- فقد كان المسلمون فى عصر النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى عصر الخلافة الراشدة يأخذون عقائدهم من الكتاب والسنة- مكتفين بظواهر هذه النصوص بدون تعمق ولا تأويل، ولم تكن لهم مناقشات فى مسائل العقيدة، بل التسليم المطلق لما يفهمونه من ظواهر النصوص بدون جدل حولها- وكانت سلائقهم العربية الخالصة، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، وحرارة إيمانهم تقرُّ بصحة نصوص القرآن الكريم والسنة وأنها كلها من عند الله- تعينهم على اتخاذ هذا الموقف- كما كان استغراق أوقاتهم فى العبادة والجهاد - من أجل الدفاع عن الدين- أثره أيضا فى سلوك هذا المسلك، والنأى بأنفسهم عن الجدل وإثارة المشاكل الاعتقادية.

ولما اتسعت الفتوحات الإسلامية، انضوى تحت لواء دولة الإسلام كثير من أتباع الديانات السابقة- سماوية أو غير سماوية، وعدد من أصحاب الفلسفات القديمة- وكانت لهؤلاء جميعا آراؤهم ومعتقداتهم التى لا تزال آثارها تعشش فى عقولهم وقلوبهم- حتى بعد اعتناق بعضهم للإسلام- نقلوا مشكلاتهم العقدية التى كانت لها فى ديانتهم السابقة ومذاهبهم الفلسفية إلى الساحة الإسلامية- فأخذوا يسألون المسلمين عن الحل الإسلامى لهذه المشكلات- بعضهم بنية حسنة، من أجل نفى شكوكهم وتثبيت يقينهم، والبعض الآخر بقصد خبيث من أجل تشكيك المسلمين فى عقيدتهم.

إضافة إلى أن بعض الذين اعتنقوا الإسلام فى عصر الفتوحات لم يكونوا مخلصين فى اعتناقهم له؛ فالبعض اعتنق انبهارا بقوة الإسلام التى مكنت بدو الجزيرة العربية من سحق دولتى الفرس والروم فى سنوات معدودات؛ والبعض رعبا وخوفا من أن يناله سوء موهوم، والبعض تهربا من دفع "الجزية" والبعض طمعا فى الحصول على كسب مادى أو منصب دنيوى، أو ليكون وجيها فى قومه بتشبهه بالسادة الجدد- ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية- وأخطر هؤلاء جميعا أولئك الذين تظاهروا باعتناق الإسلام من أجل الكيد له وتفجيره من الداخل- وكان أكثر أفراد هذا الفريق الأخير من اليهود والفرس المجوس. أخذ هؤلاء جميعا يعملون على تشكيك المسلمين فى عقيدتهم، فيثيرون أسئلة حول القضاء والقدر، وهل الإنسان مسير أو مخير؟ - وعن صفات الله تعالى: هل هى عين الذات أو زائدة على الذات؟ والقرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ إلى غير ذلك من المسائل التى كانت أساسا لنشأة "علم الكلام " والفرق الاعتقادية: من معتزلة ومرجئة وقدرية وجهمية وأشاعرة وماتريدية وغيرها من الفرق- ولكل فرقة من هذه الفرق اهتماماتها الخاصة ومنهجها فى البحث.

"فالمعتزلة" مثلا يعتمدون أساسا على حكم العقل وأدلته فإذا خالف نصا شرعيا فإنهم يؤولون النص حتى ينسجم مع حكم العقل.

أما "الأشاعرة" فمنهجهم يقوم على الاعتماد على النصوص الشرعية من قرآن وسنة يأخذون منها عقائدهم، ثم يأتون بعد ذلك بالأدلة العقلية ليقوم العقل بتأييد ما ورد فى النص.

فبينما يجعل "المعتزلة " من "العقل " حكما على "النص " يجعل الأشاعرة "العقل " فى خدمة النص " .. أما "الماتريدية" فهم يعتمدون على العقل كالمعتزلة، ولكن فى ضوء النصوص الشرعية- بمعنى أنه إذا خالف النص حكم العقل، فإنهم يقدمون "النص ".

أما السلف " من الفقهاء والمحدثين فإنهم لا يثقون بالعقل فى باب" العقيدة" فهى أمور غيبية لا يستقل العقل بإدراكها، لأنها ليست مجال عمله- وهو المادى المحسوس وما يؤخذ منه- ويعجز العقل تماما عن البحث بمفرده فيما ليس بمادى محسوس- وهو مجال العقيدة- ولذلك يعتمد علماء "السلف " على النصوص الشرعية فقط فى هذا الباب وكان على رأسهم الإمام "أحمد بن حنبل" رحمه الله- ثم فى عصور تاليه الإمام "ابن تيمية" رحمه الله.

أ. د/ صفوت حامد مبارك


المراجع
١ - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم.
٢ - الملل والنحل، للشهرستانى.
٣ - الفرق بين الفِرق، للبغدادى.
٤ - تاريخ المذاهب الإسلامية، للإمام محمد أبى زهرة.

<<  <   >  >>