للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٢ - المادة]

لغة: هى كل شىء يكون مددا لغيره، ومادة الشىء أصوله وعناصره التى يتركب منها، وكما تطلق الكلمة على ما هو حسى فإنها تطلق على المعنوى كما فى مادة البحث ومادة الكتاب، ومادة المعرفة هى المعطيات الحسية التى يتألف منها مضمون الفكر، ومادة الفن هى المعطيات التى يستمدها الفنان من تجربته.

واصطلاحا: ١ - تطلق فى العلوم الطبيعية على كل ما تتكون منه الأجسام المادية، ويشغل حيزا من الفراغ، وهى تقابل الطاقة، وإن كانتا صورتين لشىء واحد، لكن الطاقة على خلاف المادة لا تتكون من أجسام مادية يمكن الإمساك بها أو تشغل حيزا من الفراغ، وتضيف تعريفات المادة الأكثر دقة أن يكون لها وزن، ومرونة وعزم، وقصور.

وتتكون المادة من جسيمات صغيرة تسمى جزئيات تكون فى حركة داخل الجسم.

والمادة فى الكيمياء إما عنصر وإما مركب، فالعنصر يتكون من نفس النوع من الذرات، وتتكون الذرات من جسيمات أصغر هى البروتونات الموجودة بالنواة، والنيوترونات الموجودة أيضا بالنواة، والإلكترونات التى تدور حول النواة.

وتوجد المادة فى ثلاث حالات أساسية هى: الحالة الغازية، والحالة السائلة، والحالة الصلبة، ويكمن الفرق بين كل حالة وأخرى فى قوة التجاذب بين الجزيئات فالتجاذب أقوى فى الأجسام الصلبة منه فى السوائل، وفى هذه أقوى منه فى الغازات. وفى الحالات الثلاث لا يحدث تغير داخل جزيئات المادة، بل تتغير فى وضعها وفى سرعتها فقط بخلاف التغيرات الكيميائية. وقد كشف العلماء عن حالة رابعة للمادة تسمى البلازما تنشأ عند درجة حرارة مرتفعة للغاية (٦ آلاف درجة مئوية) حيث تفقد النواة ترابطها مع الإلكترونات فتتحول الذرات إلى أيونات. وتتحول المادة إلى طاقة كما فى التفاعلات النووية، ويفترض أنه يمكن للطاقة أيضا أن تتحول مادة إذا وصلت إلى مستويات غاية فى الارتفاع كما فى الأجهزة المسماة بمعجلات الجسيمات فائقة القدرة.

وتتغير المادة كيميائيا عند حدوث تغير فى مكونات الجزىء خلال عملية التفاعل الكيميائى.

وفى الأزمنة السابقة كان يعتقد أن المادة تتكون من أربعة عناصر فقط هى: النار والماء والتراب والهواء.

وتنقسم المواد أيضا إلى كائنات حية وجماد، ويختص علم الحيوان والنبات بدراسة الكائنات الحية كما يختص علم الفيزيقا بدراسة المواد عموما والقوى المؤثرة فيها، والطاقة المتولدة منها.

٢ - ويطلق لفظ المادة فى المنطق على الحدود التى تتألف منها القضية، أو على القضايا التى يتألف منها القياس. مادة القضية فى المنطق هى الموضوع والمحمول اللذان تتألف منهما، أما صورتها فهى النسبة التى بين الموضوع والمحمول .. (ونتقسم بهذا الاعتبار إلى: كلية وجزئية، وموجبة وسالبة). ومادة القياس هى القضايا التى يتألف منها (الكبرى، والصغرى، والنتيجة)، أما صورته فهى شكله، وعلى سبيل المثال فإن قولنا: كل إنسان فان، وجبريل إنسان، فجبريل فان، قياس كاذب من حيث مادته، لأن صغراه (أى قضيته الصغرى) كاذبة، أما من حيث الصورة فهو قياس صحيح من الشكل الأول.

كان المناطقة القدامى يطلقون مصطلح المادة على حالة للقضية فى ذاتها غير مصرح بها، وعندهم أن هذه الحالة منحصرة فى ثلاثة احتمالات: الوجوب والامتناع والإمكان. والفرق عندهم بين الجهة والمادة أن الجهة لفظ مصرح به يدل على الوجوب أو الامتناع أو الإمكان، على حين أن المادة حالة للقضية فى ذاتها غير مصرح بها، وربما تخالفها.

٣ - وفى علم الأخلاق فإن المادة هى الفعل الذى يقوم به الفاعل بصرف النظر عن نيته وقصده، كالممرض الذى يعطى السم بدلا من العقار فهو لا يعد قاتلا إلا من حيث مادة الفعل، أما من حيث صورة الفعل فهو برىء من جريمة القتل.

٤ - وفى الفلسفة الأرسطية هى المعنى المقابل للصورة، ولها بهذا الاعتبار وجهان: الأول دلالتها على العناصر غير المعينة التى يمكن أن يتألف منها الشىء .. وهى إمكان محض، أو قوة مطلقة لا تنتقل إلى الفعل إلا بقيام الصورة فيها .. أما الوجه الثانى فدلالتها على المعطيات الطبيعية والعقلية التى يعمل الفكر على إكمالها وإنضاجها فكل موضوع يقبل الكمال بانضمامه إلى غيره فهو مادة، وكل ما يتركب منه الشىء فهو مادة.

والمادة عند ديكارت مقابلة للصورة من جهة، وللفكر أيضا من جهة أخرى، فأما التقابل بينها وبين الصورة فيرجع إلى أن الجسم مؤلف من شيئين: أحدهما شكله الهندسى وهو صورته، والآخر جوهره المشخص الفرد الموجود بالفعل وهو مادته.

وأما التقابل بينها وبين الفكر فيرجع إلى أن المادة كتلة طبيعية ندركها بالحدس الحسى لوجودها خارج العقل، على حين أن الفكر شىء داخلى مجرد عن المادة وعن لواحقها ولذا قال ديكارت: إن المادة هى الامتداد.

ومنذ "كانت" تطلق المادة على معطيات التجربة الحسية من جهة ما هى مستقلة عن قوالب العقل، فمادتها الظاهرة عنصرها الحسى. أما صورتها فهى العلاقات التى تضبطها وتنظم حدوثها.

أ. د/ محمد الجوادى


المراجع
١ - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- القاهرة.
٢ - المعجم الفلسفى- جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، ١٩٨٢م.
٣ - المنطق وفلسفة العلوم- بول موى- ترجمة د/فؤاد زكريا- القاهرة ١٩٦١ م.
٤ - جابر بن حيان وأثره فى الكيمياء- لعبد الحميد سماحة- بحث فى المؤتمر العربى الأول لجامعة الدول العربية- طبعة الإسكندرية ١٩٥٣م.

<<  <   >  >>