للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٤ - المحراب]

لغة: الغرفة، وصدر البيت أو المجلس وأكرم موضع فيه، والموضع الذى ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس. (لسان العرب).

وجاءت اللفظة فى القرآن الكريم بصيغة المفرد فى قوله تعالى {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} آل عمران:٣٧، وكذلك فى (آل عمران:٣٩) (مريم:١١) (ص:٢١) .. ومعنى المحراب هنا: الحجرة التى فى مقدمة المعبد.

وجاءت اللفظة بصيغة الجمع (محاريب) فى قوله تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب} سبأ:١٣.

وفسرت المحاريب فى هذه الآية بالقصور، والمساجد يتعبد فيها.

واصطلاحا: علامة القبلة فى جدار المسجد، وجرت العادة أن تكون فى وسط جدار القبلة.

وكانت القبلة عند بناء مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة أولا فى الجدار الشمالى نحو المسجد الأقصى، ثم أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة الثامنة من الهجرة أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام، ومن ثم نقلت القبلة من الجدار الشمالى إلى الجدار الجنوبى، وهكذا

صارت قبلة جميع المساجد فى الجدار الموجه نحو المسجد الحرام فى مكة المكرمة، يقول الله تعالى {قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:١٤٤.

ولم ليكن المحراب فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم مجوفا بل كان مسطحا تسطح الجدار نفسه، ولكنه كان محددا ومعلما، وظل فى مكانه بعد توسعة المسجد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة السابعة بعد الهجرة، وكان من جراء ذلك أن صار أقرب إلى الجدار الشرقى منه إلى الجدار الغربى، وذلك لأن توسعة المسجد نحو الغرب كانت أطول من توسعته نحو الشرق.

وفى خلافة عمر بن الخطاب نقل جدار القبلة نحو الجنوب بمقدار خمسة أمتار تقريبا، ومن ثم نقل مكان المحراب إلى الجدار الجديد، ولكن على نفس المحور.

وحدث الشىء نفسه فى خلافة عثمان بن عفان حين نقل جدار القبلة إلى الجنوب نحو خمسة أمتار أخرى، وبذلك صار فى موضعه الحالى. ومع ذلك فقد ظل مكان محراب النبى صلى الله عليه وسلم الأول موضع حفاوة المسلمين الذين يحرصون على الصلاة والدعاء أمامه، وقد أقيم فى المكان نفسه محراب بعيد عن الجدارالحالى على يد السلطان المملوكى قايتباى.

وقد ظل المحراب مسطحا إلى أن أجرى الوليد بن عبدالملك عمارته فى مسجدالنبى صلى الله عليه وسلم سنة ٨٨هـ، حين أمر بإعادة بنائه، وتجديده تجديدا شاملا، ففى هذه العمارة أدخلت فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وحدة معمارية جديدة هى المحراب المجوف، وكان ذلك إيذانا بانتشاره بعد ذلك فى المساجد.

وقيل كثيرمن الآراء بشأن الحكمة من المحراب المجوف، منها: أنه يفيد فى تعيين اتجاه القبلة، وفي تحديد مكان الإمام عند الصلاة، وفى توسيع طاقة المسجد بما يقرب من صف من المصلين فى الصلاة الجامعة، ويساعد على تجميع صوت الإمام وتكبيره، وإيصاله للمصلين الذين يوليهم ظهره أثناء الصلاة، لا سيما قبل اختراع مكبرات الصوت.

ونال المحراب عناية مؤسسى المساجد الجامعة من حيث العمارة والزخرفة، وإقامة المنبر إلى يمينه، وتزويده بمقصورة، والحفاوة بالبلاطة التى تليه، التى عرفت ببلاطة المحراب، وبالبلاطة المؤدية إليه من الصحن والتى أطلق عليها أحيانا المجاز القاطع.

وكان المحراب فى بعض الأحيان يكتنفه عمودان من الرخام يحملان عقدا ويسقف أعلاه بنصف قبة تعرف بطاقية المحراب كانت تزين بالمقرنصات، وقد يكسى المحراب، بالجص المزخرف بالحفر البارز والغائر، أو بالرخام والمرمر، أو ببلاطات القاشانى، أو بالفسيفساء الرخامية أو الخزفية أو الزجاجية المشكلة بالحليات الهندسية والنباتية المحورة، وكان يكرم بالآيات القرآنية المناسبة لوظيفته.

وتتعدد المحاريب فى بعض المساجد، ومن ذلك مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة، إذ يشمل على خمسة محاريب بالإضافة إلى المحراب الرئيسى فى منتصف جدار القبلة، ومن هذه المحاريب أربعة محاريب مسطحة من

الجص على بعض دعائم المسجد فى رواق القبلة.

هذا .. ولم تقتصر المحاريب على المساجد، بل وجدت أيضا فى الخانقاوات والمدارس والأضرحة وغيرها من الأماكن التى تقام بها الصلاة، أو يحتاج فيها إلى تعيين موضع القبلة.

إضافة إلى ذلك عرفت محاريب غير ثابتة يمكن نقلها من مكان إلى آخر عند الضرورة، فمثلا فى فصل الصيف الحار كانت تنقل إلى صحن المسجد، وكانت هذه المحاريب تصنع من الخشب، وكان يعتنى بزخرفتها، ومن أمثلة هذه المحاريب محراب السيدة رقية بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة ٥٣٣هـ.

هذا واستخدم شكل المحراب عنصرا زخرفيا فى العمارة الإسلامية ولا سيما فى المقرنصات. وليس من شك فى أن المحاريب تعد من أقيم الآثار الإسلامية سواء من حيث القيمة الروحية، أو من حيث الأهمية المعمارية والزخرفية، ومن المحاريب التى تتمثل فيها أساليب العمارة والزخرفة الإسلامية:

- محراب قبة المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة.

- محراب الجامع الأزرق بشارع باب الوزير بالقاهرة.

- محراب مسجد ابن طولون بالقاهرة.

- محراب مدرسة قجماس الإسحاقى بشارع الدرب الأحمر بالقاهرة.

- محراب جامع محمد على بقلعة صلاح الدين بالقاهرة.

- محراب مسجد نابين بإيران (من القرن الرابع الهجرى).

- محراب مسجد ميدان فى قاشان بإيران.

- محراب ضريح بابا قاسم فى أصفهان بإيران.

- محراب المسجد الجامع بصنعاء اليمن.

- محراب جامع قرطبة من عهد الخليفة الحكم.

أ. د/حسن الباشا


مراجع الاستزادة:
١ - تاريخ المساجد الأثرية. حسن عبد الوهاب.
٢ - موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية أ. د/حسن الباشا

<<  <   >  >>