للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٧ - المقامة وكُّتابها

لغة: المقامة فى الأصل المقام أى موضع القيام.

ثم توسعوا فيها فاستعملوها استعمال المجلس والمكان، ثم كثرت حتى سموا الجالسين فى المقام مقامة، كما سموهم مجلسا، إلى أن قيل لما يقام فيها من خطبة أو عظة أو ما أشبهها مقامة أو مجلّس، فيقال: مقامات الخطباء، ومقامات القصاص، ومقامات الزهاد.

واصطلاحا: حكاية قصيرة أنيقة الأسلوب، تشتمل على عظة أو ملحة.

وقد نشأ هذا النوع من القصص فى أواسط الدولة العباسية وهو عهد الترف الأدبى والإنشاء الصناعى الأنيق، وقد أجاده بديع الزمان إجادة أحلته منه محل الزعيم. وتدور المقامة على حادث عادى يسند إلى شخص معين، هو ما يسمى فى اصطلاح الفن القصصى بالبطل، كأبى زيد السروجى فى مقامات الحريرى، وأبى الفتح الإسكندرى فى مقامات البديع، وبين هذا البطل وبين رجل آخر صلة وثيقة ومعرفة قديمة، فهو يراه فى كل حادثة، ويسمعه فى كل مجلس، ويفاجأ به فى كل سر، ثم يروى للناس ما علّيه من خير أو شر. ذلك هو الراوى، كعيسى بن هشام فى مقامات البديع، والحارث بن همام فى مقامات الحريرى.

وليس الغرض من المقامة جمال القصص ولا حسن الوعظ ولا إفادة العلم وإنما هى قطعه أدبيه فنية يقصد بها جمع شوارد اللغة ونوادر التركيب فى أسلوب مسجوع، أنيق الوشى، يعجب أكثر مما يؤثر، ويلذ أكثر مما يفيد. ولم تراع قواعد الفن القصصى فيما كتب من هذا النوع، فلم يعن كاتبو المقامات بتصوير الحكايات وتحليل الأشخاص، وإنما صرفوا همهم إلى تحسين اللفظ وتزيينه.

أما كتابها فقد علم أن ابن دريد اخترع أربعين حديثا عرضها عرضا تصويريا دقيقا كانت بداية التطور لنشأة المقامة.

ثم جاء بديع الزمان الهمذانى المتوفى سنه ٣٩٨ هـ فأملى أربعمائة مقامة فى الكدية وغيرها، نحلها أبا الفتح الإسكندرى على لسان عيسى بن هشام، ولم يعثروا منها إلا على ثلاث وخمسين مقامة.

ثم جاء بعده الحريرى المتوفى سنة ٥١٦ هـ فكتب خمسين مقامة نسبها إلى أبى زيد السروجى على لسان الحارث بن همام، ونسجها على منوال البديع.

ثم عالج المقامات بعد هذين النابغين طائفة من الكتاب لم يدركوا شأوهما، كالمقامات السرقسطيه لابن الأشتركونى المتوفى سنة ٥٣٨ هـ، وهى خمسون مقامة أنشأها بقرطبة عند وقوفه على ما أنشأ الحريرى بالبصرة، وقد أتعب فيها خاطره وأسهر ناظره، ولزم فى نثرها لزوم مالا يلزم. حدث فيها المنذر بن حمام عن السائب بن تمام.

ومقامات الزمخشرى المتوفى سنه ٥٣٨ هـ وهى مشهورة، والمقامات المسيحية لأبى العباس يحيى بن سعيد بن مارى النصرانى البصرى الطبيب المتوفى سنه ٥٨٦ هـ نسجها على منوال الحريرى.

ثم مقامات أحمد بن الأعظم الرازى وهى اثنتا عشرة مقامة كتبها سنة ٦٣٠ هـ وجعل الرازى فيها القعقاع بن زنباع، وغيره.

والمقامات الزينية لزين الدين بن صيقل الجزرى المتوفى سنه ٧٠١ هـ وهى خمسون مقامة عارض بها المقامات الحريرية، نسبها إلى أبى نصر المصرى، وعزا روايتها إلى القاسم بن جريان الدمشقى.

ثم مقامات السيوطى وهى بالرسائل أشبه منها للمقامات.

أ. د/ محمد سلام


المراجع
١ - تاريخ الأدب العربى للزيات- الطبعة الرابعة والعشرون- مطبعة الرسالة- عابدين- القاهرة- بدون تاريخ.
٢ - المدخل فى النقد الأدبى- دكتور/ محمد غنيمى هلال- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة- ط ٢ سنة ١٩٦٢ م.

<<  <   >  >>