للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٣١ - البوذية]

أحد الأديان العالمية من حيث عدد من يعتنقونها، إذ هى الدين السائد فى كثيرمن دول آسيا (الصين، اليابان، نيبال، جاوة، سومطرة، بورما، سيلان، سيام) نسبتا إلى اللقب الذى اشتهربه مؤسسها بوذا (٥٦٠ - ٤٨٠ ق. م)، ومعناه فى اللغة السنسكريتية: المستنير، أو العالم، أو العارف.

ولد بوذا فى بلدة هندية على حدود نيبال لأسرة نبيلة، إذ كان أبوه أميرا، وتزوج فى التاسعة عشرة من عمره. وعندما بلغ العام التاسع والعشرين انصرف إلى الزهد والتأمل، فهجر زوجته، وخرج هائما فى الأحراش راغبا عن الدنيا، غير معنى إلا بالتأملات، رائضا نفسه على خشونة الحياة. وبعد ست سنين ادعى أن نوعا من المعرفة قد وقع فى نفسه، وقذف بنور فى قلبه، ويقول فى وصف هذا الإحساس:"سمعت صوتا من داخلى يقول بكل جلاء وقوة: نعم فى الكون حق، أيها الناسك، هنالك حق لا ريب فيه، جاهد نفسك اليوم حتى تناله. فجلست تحته تلك الشجرة فى تلك الليلة من شهر الأزهار، وقلت لعقلى وجسدى: اسمعا لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق، لينشف الجلد، ولتنقطع العروق، ولتنفصل العظام، وليقف الدم عن الجريان، لن أقوم من مكانى حتى أعرف الحق الذى أنشده، فينجينى.

ويذكر أيضا أنه تم له فى هذه الجلسة الإشراقة التى كان يترقبها. ويراها بعض الباحثين الغربيين وحيا، ويصورها بوذا بأنها صوت حادثه، مما دفعه إلى الدعوى إلى تعاليمه بالقول والعمل، فآمن بدعوته كثير، وانطلقوا فى شبه الجزيرة الهندية دعاة ومرشدين فنما عددهم بمرور الأيام، وانتشر مذهبهم، وبوذا من ورائهم يدفعهم بحمسهم إلى أن مات فى الثمانين من عمره.

كانت حياته ساذجة، لا تعقيد فيها ولا تزيد عن زهد فى الحياة، وميل إلى تعذيب الجسد ليتخلص كليا من الألم بعد الموت، كما كان يدعو إلى سلوك "الممر الأوسط" بين التلذذ والزهد الخالص فى الدنيا، ويقول: إن لهذا الممر ثمانى شعبه، هى: الآراء السليمة، والشعور الصائب، والقول الحق، والسلوك الحسن، والحياة الفضلى، والسعى المشكور، والذكرى الصالحة والتأمل الصحيح.

كما يرى أن المرء يمر بأربعة أطوار، تنكسرخلالها جميع القيود التى تكبل الإنسان، وتمنعه من الوصول إلى الكمال الإنسانى فإذا بلغ الطور الرابع يكون قد أدرك الهدف الذى يسعى إليه وهو النرفار وما هى النرفار؟ هى الطور الرابع الذى يبلغه الزاهد، ولكنه لم يذكر شيئا عن "العلة الأولى" الذى يدير دفة الكون. ومن هنا جاء الخلاف بين العلماء حول وضع الإله فى تعاليم بوذا، فهناك من يرى أنه أنكر وجود إله خالق للكون، ويقول أنصار هذا الرأى: إنه كان يعتقد أن فى العالم فقط روحا عاما متغلغلا فى كل شئ. ومنهم من يرى أن مذهبه إصلاحى خلقى أكثر منه دينى.

وقد أحدث بوذا بإهماله الاتجاه الإلهى ارتباكا فى الفكر بين أتباعه، فلعبت بهم الأهواء، فاتجه بعضهم إلى الاعتقاد بأن بوذا ليس إنسانا محضا، بل إن روح الله قد حلت فيه، بل تطورالأمرإلى اعتباره كائنا إلهيا، وضعوا له تمثالا بين آلهة الهندوسية ولم يعارض الهندوس ذلك، لأن العقل الهندى لا يضيره أن ينضم إله جديد إلى ما يعترف به من آلهة.

أما كتب البوذيين فلا يدعون أنها منزلة، ولا ينسبون ما فيها إلى جانب إلهى، بل هى عبارات منسوبة إلى بوذا، أو حكاية لأفعاله، أو نقل لما أقروه من أعمال أتباعه.

ولا تعتبر البوذية فى تعاليمها إضافة فى عرض الآراء على يد غير المستأثرين بها قديما من سدنة الكهنة والمحراب.

أ. د/محمد شامة


مراجع الاستزادة:
١ - الله عباس العقاد، دار المعارف بمصر ط٦ ١٩٦٩م.
٢ - مقارنة الأديان محمد أبو زهرة، دار الفكر العربى.
٣ - أديان الهند الكبرى أحمد شلبى، مكتبة النهضة المصرية، ط٢ ١٩٦٩م.
٤ - بحوث فى علم الأديان المقارنة محمد شامة، مطابع المدنى بمصر ١٩٧٢م.
٥ - حياة بوذا فاردينان هارولد، تعريب فيليب عطا الله دار الروائع الجديدة لبنان ١٩٧٥م

<<  <   >  >>