للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا هذا إن أول العشق استحسان من يلائم الطبع من الجواري والغلمان، تحدث منه إرادة القرب والمودة، ثم يقوى الود فيكون حباً لا يمكن القلب رده. فإذا استحكمت المحبة في القلوب، عادت هوى يهوي بصاحبه في اختيار المحبوب، ثم يصير عشقاً ثم تتيماً ثم يرجع ولهاً على العقول مخيماً، وهو طمع في القلوب يتولد، يعظم بالحرص على الطلب ويتأكد. يخفى عن الأبصار، ويهيج باللجاج والتذكار، كامن كالنار في الحجر، والزهر في الشجر. إن قدحته أورى، وإن سقيته أخرج نوراً:

العشق أول ما يكون مجانة ... فإذا تحكم صار شغلا شاغلا

فأما أوصافه الممدوحة فإنه جليس ممتع بمشاهدته، وأليف مؤنس بمنادمته، مسالكه لطيفة، وممالكه شريفة. برق لامع، ونور ساطع. تستضيء به نواظر العقول، ويفعل في الشمائل مالا تفعله الشمول، ويتصل بجواهر النفوس، فيزيل عنها لبوس البوس، فرح يجول في الروح، وارتياح يغدو في القلب ويروح، وسانح ينشر من البشر ما انطوى، وسرور ينساب في أجزاء القوى:

إذا أنت لم تطرب ولم تدر ما الهوى ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا

يطلق اللسان، ويشجع الجبان، ويصفي الأذهان. يولد

<<  <   >  >>