للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) (١٠٠)

المفردات:

- سلطانه: تسلطه.

- يتولونه: يتخذونه وليا.

المعنى الإجمالي:

بعد أن بينت الآية السابقة أنه ليس للشيطان تسلط على المؤمنين، تبين هذه الآية أن سلطان الشيطان إنما هو على من يتخذونه وليا ويطيعونه، والذين يشركون بالله - سبحانه وتعالى - بسبب هذا الشيطان.

المعنى التفصيلي:

- هذه الآية تأكيد لمضمون الآية السابقة، وهو: ليس للشيطان سلطان على المؤمنين الذين يتوكلون على ربهم، وفيها معنى جديد أيضا.

- قصرت هذه الآية سلطان الشيطان على الذين يتولونه وعلى المشركين.

- (سلطانه) أي: سلطان الشيطان، وسبق الكلام في الآية السابقة على معنى "السلطان" بما يوضح المعنى.

- (الذين يتولونه) أي: يتخذونه وليا، أي: مطاعا عندهم.

والذين يتخذون الشيطان وليا ليسوا من المسلمين كما ظن بعض المفسرين؛ لأن الذي يتولى الكافر فهو مثله، فكيف بمن يتولى الشيطان رأس الكفر (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (المائدة: ٥١)، وأولياء الشيطان هم الكفار الذين أمر الله بقتالهم؛ قال تعالى (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) (النساء: ٧٦).

- (يتولونه) جاء التعبير بالفعل المضارع للدلالة على أن تولي الشيطان متجدد بتجدد الأيام واللحظات، وذلك كلما تولى الكافر الشيطان كلما ازداد تعلقه به وتوليه، فإنما هو تول يزداد ويتجدد. والله المعيذ!

- (والذين هم به مشركون) الضمير في (به) يعود على الشيطان، والباء سببية، أي: والذين هم مشركون بسبب إطاعتهم الشيطان. وهذا هو الاحتمال الأول.

والاحتمال الثاني: إن الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى، ويكون المعنى: والذين هم بالله مشركون.

ولكن الاحتمال الأول أظهر؛ وذلك لدلالة السياق عليه؛ فالضمائر السابقة عائدة إلى الشيطان، وليس من مانع يمنع حمل هذا الضمير على الشيطان، فكان أظهر للتناسق، واقرأ وتأمل - بارك الله فيك - (إنما سلطانه) أي: الشيطان (على الذين يتولونه) أي: الشيطان (والذين هم به)؟؟؟؟؟ (مشركون).

- (والذين هم به مشركون) جاء تقديم الجار والمجرور (به) على (مشركون)؛ للدلالة على الحصر، أي: ما أشركوا إلا بسبب غواية الشيطان.

- (مشركون) جاء التعبير بالاسم وليس بالفعل؛ لأن الاسم يدل على الثبوت والدوام، والنكتة في هذا أن الشيطان لم يضل الكفار ليمارسوا الشرك أحيانا، بل اجتهد عليهم حتى احترفوا الشرك، فصار المعنى: وما احترف الكفار الشرك احترافا إلا بسبب الشيطان، وهذا أقوى من: وما يشرك الكفار إلا بسبب الشيطان. فتأمل رعاك الله!

- قيل: إن (الذين يتولونه) هم من المسلمين العصاة، وسبق بيان بطلان هذا القول، ولكن لماذا أعيد ذكر الاسم الموصول (الذين) في قوله تعالى ( .. الذين يتولونه والذين هم به مشركون) ولم يعد في الآية السابقة ( ... إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) (النحل: ٩٩)؟

والجواب عن هذا: إن عطف (والذين هم به مشركون) على (الذين يتولونه) من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الفئات التي تتولى الشيطان كثيرة، منهم الملحد المنكر لوجود الله، ومنهم المشرك، ومنهم الكفار من أهل الكتاب، ومنهم .... ، وجاء التنصيص على المشركين لأنهم هم المخاطبون ابتداء في هذه السورة المكية.

ولكن لماذا أعيد الاسم الموصول في هذه الآية ولم يعد في الآية السابقة؟

أعيد الاسم الموصول في هذه الآية؛ لأن كل فئة تتولى الشيطان إنما هي فئة مستقلة عن الفئة الأخرى بأسلوب ضلالها، ولذا فكل فئة لها فلسفتها وعقيدتها وسلوكها وشعائرها، وكل هذا خاص بها دون الآخرين، فكان التعبير بالاسم الموصول للدلالة على هذه الاستقلالية، فالمشركون هم نوع مستقل من مجموع من يتولى الشيطان، بينما لم يعد الاسم الموصول في قوله تعالى ( ... الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)؛ لأن التوكل هو عين الإيمان، ولا إيمان دون توكل، وليست فئة المتوكلين مستقلة عن فئة المؤمنين استقلال فئات الضلال.

- إنما يأخذ الشيطان قوته من إقبال الضالين عليه (إنما سلطانه على الذين يتولونه ... ) فهم من يقبل عليه ويتولاه ويخضع لأمره، وما كان الشيطان يوما صاحب سلطان على من يلتجئ إلى الله - سبحانه وتعالى - ويستعيذ به، إنما سلطانه على من يعطيه الدنية ويخضع له. أعاذنا الله منه. آمين!

<<  <   >  >>