للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) (٢٨)

المفردات:

- تتوفاهم: تقبض أرواحهم.

- السلم: الاستسلام.

المعنى الإجمالي:

لما بينت الآية السابقة أن الخزي والعذاب على الكافرين، تبين هذه الآية أن الكفار المرادين في الآية السابقة هم الذين استمروا على الكفر وماتوا عليه، وليس الذين آمنوا ورجعوا عن الذي هم فيه من الشرك.

وتبين الآية أن الكفار يكذبون حتى اللحظة الأخيرة، فهم متمرسون على الكذب، ولكن كذبهم هذا مكشوف عند الله تعالى.

المعنى التفصيلي:

- جملة (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) ليست من قول الذين أوتوا العلم المذكور في الآية السابقة؛ إذ لا فائدة في ذكر الذين أوتوا العلم عند وقت الحساب لحال موت الكفار؛ لأنه أمر مضى ولا يؤثر ذكره أو تركه؛ لأن المقام يوم القيامة أعظم وأكبر.

فما دام الخزي والعذاب على الكفار، فما هو الفائدة في بيان الذين أوتوا العلم لحال الكفار عند الموت؟! وإنما ذكر الله سبحانه حال الكفار وقت الموت؛ لبيان أن الكفار الذين كتب عليهم الخزي هم الذين ماتوا على كفرهم.

- قال كثير من المفسرين: هذه الآية وصف لحال الكافرين وقت موتهم، فهم يستسلمون للملائكة، وينكرون أن يكونوا قد عملوا من سوء، فترد عليهم الملائكة أنكم عملتم السوء، وأن الله بكل ما كنتم تعملونه عليم.

- وقال بعض المفسرين: إن الآية وصف لحال المشركين في الآخرة، فجملة (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) اعتراضية لبيان أن الكفار الذين كتب عليهم الخزي هم الذين ماتوا على كفرهم، وجملة (فألقوا السلم) معطوفة على جملة (أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) التي في الآية السابقة.

أي لما يسألهم الله يوم القيامة (أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) لا يجيب الكفار وإنما يستسلمون لله، ويقولون (ما كنا نعمل من سوء) فيرد عليهم أهل العلم من البشر أو الملائكة (بلى) وهي كلمة تقال ردا للنفي، أي نفيكم السوء عن أنفسكم غير صحيح، بل كنتم تعملون السوء.

- والقول بأن الاستسلام من الكفار كان في موقف يوم القيامة أظهر؛ لأن الآية التي بعدها (فادخلوا أبواب جهنم خالدين) تشير إلى أنه بعد كذب الكفار، وبعد أن يرد عليهم، يدخلون في نار جهنم، وهذا أقرب إلى يوم القيامة منه إلى ساعة قبض الأرواح.

وانظر معي إلى هاتين الآيتين (ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين (٢٧) الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون (٢٨)) (النحل)

فهما كقوله تعالى (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون (٢٢) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (٢٣) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (٢٤)) (الأنعام)

فهم سئلوا في المحشر يوم القيامة، وأجابوا في المحشر يوم القيامة.

- وقرئ (يتوفاهم) بدل (تتوفاهم)، و (تتوفاهم) أي جماعة الملائكة، و (يتوفاهم) على الأصل.

- وجاء التعبير بالمضارع (تتوفاهم) لاستحضار هول توفي الملائكة للذين ظلموا، فقول أهل العلم عبر عنه بالماضي (قال)، وإلقاء الكفار للسلم عبر عنه بالماضي (فألقوا) وجاء التعبير بينهما بالمضارع (تتوفاهم)؛ لأن الفعل الماضي لا يجلب استحضار عظم الموقف كما يستحضره الفعل المضارع.

- (ظالمي أنفسهم) حال الكفار وقت وفاتهم أنهم ما زالوا على الكفر.

- جاء التعبير (من سوء) وليس " سوءا " من دون (من) لأنهم أرادوا أن ينفوا عن أنفسهم أي شيء من السوء، فـ (من) هنا تسمى عند البلاغيين بـ (من) الاستغراقية.

- جاء الرد على الكفار بأن الله عليم؛ لأن الكفار كذبوا بنفيهم السوء عن أنفسهم، ومما يناسب بيان كذبهم، بيان أن الله عليم بما كانوا يعملون؛ وفي هذا كمال البلاغة؛ لأن إثبات علم الله في هذا السياق فاضح لكذبهم، وهو أيضا منذر بأن عذابهم قادم بسبب ما وقعوا فيه من الشرك المعلوم عند الله سبحانه.

<<  <   >  >>