للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم فرغنا وأتينا بحلواء فلم يأكل منها، وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين، ونمنا نحن في خيش ينافس فيه، ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان مع العصر قال لغلام: الوظيفة. فجاءه بماء من الحب، وترك الماء المزمل بالثلج، فغاظني أمره فصحت بصيحة، فأمر أمير المؤمنين بإحضاري وقال: ما قصتك؟ فأخبرته وقلت: هذا يا أمير المؤمنين يحتاج إلى أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها. قال: فضحك وقال له: في هذا لذة، وقد جرت به العادة وصار إلفا، فلن يضره. ثم قلت: يا أبا بكر، لم تفعل هذا بنفسك؟ قال: أبقي على حفظي. قلت له: قد أكثر الناس في حفظك، فكم تحفظ؟ قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا.

قال محمد بن جعفر: وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله ولا بعده، وكان أحفظ الناس للغة، ونحو، وشعر، وتفسير قرآن، فحدثت أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها.

وقال لنا أبو العباس بن يونس: كان آية من آيات الله في الحفظ.

وقال لنا أبو الحسن العروضي: كان يتردد ابن الأنباري إلى أولاد الراضي، فكان يوما من الأيام قد سألته جارية عن شيء من تفسير الرؤيا، فقال: أنا حاقن. ثم مضى، فلما كان من غد عاد وقد صار معبرا للرؤيا، وذاك أنه مضى من يومه فدرس كتاب الكرماني وجاء.

قال: وكان يأخذ الرطب يشمه ويقول: أما إنك لطيب، ولكن أطيب منك حفظ ما وهب الله لي من العلم.

قال محمد بن جعفر: ومات ابن الأنباري فلم نجد من تصنيفه إلا شيئا يسيرا، وذاك أنه إنما كان يملي من حفظه. وقد أملى كتاب غريب الحديث، قيل: إنه خمس وأربعون ألف ورقة. وكتاب شرح الكافي، وهو نحو ألف ورقة. وكتاب الهاءات، نحو ألف ورقة. وكتاب الأضداد، وما رأيت أكبر منه. وكتاب المشكل أملاه وبلغ إلى (طه) وما أتمه، وقد أملاه سنين كثيرة. والجاهليات، سبعمائة ورقة. والمذكر والمؤنث، ما عمل أحد أتم منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>