للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استحسانا لما يجري بينهما، فسمعته يوما قد أنشد بيتا لا أذكره الآن، فقال له أبي: أيها القاضي إني أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية، فصاح عليه صيحة عظيمة، وقال: اسكت ألي تقول هذا؟ وأنا أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك، وأضعافه. يكررها مرارا.

أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأزرق، قال: حدثني القاضي أبو طالب محمد ابن القاضي أبي جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبي في جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه في الحق جالس أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة، ويسليه، وينشده أشعارا، ويروي له أخبارا، فداخله الطبري في ذلك، ودأب معه ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب والعلم استحسنها الحاضرون، وعجبوا منها، وتعالى النهار، وافترقنا، فلما حصلت أسير خلفه، قال لي أبي: يا بني هذا الشيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو؟ أتعرفه؟ فقلت: يا سيدي كأنك لم تعرفه، فقال: لا، فقلت: هذا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فقال: تالله ما أحسنت عشرتي يا بني، فقلت: كيف يا سيدي؟ قال: ألا قلت لي في الحال، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ، والاتساع في صنوف من العلم، وما ذاكرته بحسبها، قال: ومضت على هذا مدة، فحضرنا في حق آخر، وجلسنا، فإذا بالطبري يدخل إلى الحق، فقلت له: قليلا قليلا أيها القاضي، هذا أبو جعفر الطبري قد جاء مقبلا، قال: فأومأ إليه بالجلوس عنده، فعدل إليه، فأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، وأخذ أبي يحادثه، فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتا، قال أبي: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها، فيتلعثم

<<  <  ج: ص:  >  >>