للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[في قانوننا:]

كان العمل قديماً قبل صدور قانون حقوق العائلة برأي أبي حنيفة وأبي يوسف من أن العلل التي تبيح للرجل طلب فسخ النكاح إذا وجدت في المرأة هي العلل الجنسية الثلاثة المذكورة آنفاً. وهي الجَب، والخصاء، والُعنة.

ثم جاء قانون حقوق العائلة فأخذ بقول محمد وأجاز للرجل طلب الفسخ لكل العيوب المنفرة.

ولما صدر قانوننا للأحوال الشخصية كان موقفه غريباً من هذا الموضوع فقد كان رجعة الى الوراء، إذ جعل من حق الزوجة طلب التفريق بينها وبين زوجها إذا كان فيه احدى العلل المانعة من الدخول بشرط سلامتها منها، وإذا أصيب بالجنون بعد الزواج.

ومعنى هذا أن المرأة لا حق لها في طلب التفريق اذا وجدت بزوجها مرضاً معدياً أو منفراً، كالسل والجزام والبرص والزهري وغير ذلك. وهذا في منتهى الغرابة، إذ كيف تستطيع المرأة أن تصبر على زوج مبتلي بمثل تلك الأمراض وتعيش معه وتمنحه حبها وقلبها؟! وكيف يتحقق السكن النفسي في مثل هذا الزواج؟ مع أن بعض العلل المانعة من الدخول قد تكون أخف على المرأة كثيراً من الأمراض المؤذية والمعدية، فالمرأة قد ترضى بالعيش مع رجل عاجز عن الاتصال الجنسي، ولكنها لا ترضى أنتعيش مع رجل مصاب بمرض مؤذ أو معدٍ ولو كان قادراً على الدخول بها ... فكيف غاب هذا الأمر عن واضعي القانون.

يقول ابن القيم (زاد المعاد: ٤/ ٣٠) في التعقيب على ما ذكره بعض فقهاء الحنابلة من أن الامام أحمد قصر العيوب الجنسية على ثلاثة أو خمسة فقط:

"وأما الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة دون ما هو أولى منها أو مساوٍ لها فلا وجه له، فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو منافٍ للدين، والاطلاق في العقد إنما ينصرف الى السلامة فهو كالمشروط عرفاً، وقد قال عمر لمن تزوج امرأة وهو لا يولَد: أخبرها أنك عقيم وخّيرها، فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هذا (أي العقم) عندها (عند تلك العيوب) كمال بلا نقصان، والقياس أن

<<  <   >  >>