للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالدخول الى باقي أقسام المنزل، ويرجع هذا التقليد الى ما قبل ظهور الاسلام شأن الحجاب تماماً، إذ لم ينفرد به المسلمون بل انتشر في أكثر الأقطار الشرقية قبل ظهور الاسلام بزمان بعيد، وقد كان هذا التقليد ترفا خاصاً بالأثرياء، إذ لم يكن في متناول يد أي رجل عادي أن يقيم في منزله حريماً خاصاً بالنساء، ومن جهة أخرى فقد كانت نساء الطبقة العاملة كثيرات التجوال والخروج في الطرقات سعياً وراء أعمالهن.

أما هندسة "الحريم" فكانت أنيقة تدعو الى البهجة والمرح، إذ اتسعت للجنائن الغناء تلونها الأزهار الجميلة وتجري بين خمائلها المياة غزيرة منعشة. وقد كان عالم المرأة ذاك جميلاً نعمت فيه بأيام سعيدة قد نستغربها اليوم، ونحن نسعى الى العمل مع الرجل وأحياناً كثيرة لاستباقه الى ما كان ينفرد به من كد وإرهاق.

وكثيراً ما كانت النساء يستقبلن المنجمين والأطباء والتجار الذين كانوا يحملون اليهن الأقمشة الجميلة والجواهر الثمينة، فيسرعن عندئذ الى ارتداء الحجاب كما لو كان عليهن أن يسرن في الطريق العام.

ولم يكن ليبرجن "الحريم" إلا لزيارة صديقاتهن أو لحضور بعض الحفلات العائلية أو الاحتفالات الدينية أو إذا أردن الذهاب الى الحمام، فقد كان للنساء إذن عالمهن الخاص المقتصر عليهن فقط، إذ حرم عليهن تماما الاختلاط بالرجال او استقبالهم والتحدث اليهم، إلا أن ذلك عكس ما يتبادر الى الأذهان لم يكن ليجعل من عالمهن عالماً رتيباً متشابهاً مملاً، إذ كن يقضين أوقاتهن في أعياد دائمة، نزهات في الحدائق الضاحكة حيث كانت المياه ترقص من الفرح وتعكس صورة حوريات جميلات محصنات، وأمسيات معطرة على الشرفات المنفتحة للنسيم ولضوء القمر، واستقبال الصديقات بنشر الورود والرياحين عند وصولهن وحرق بخور وعطور نادرة، وكانت تهل على أعيادهن المغنيات والراقصات ترافقهن جوقة من الموسيقيين.

إلا أن المرأة لم تكتف دائماً بتلك الحياة على ما كان فيها من الراحة والطمأنينة، بل اقتحمت في الجيلين الحادي والثاني عشر حقل المهن الحرة فكانت محامية وشاعرة وطبيبة فيما كانت نساء الشعب ينصرفن لشؤون منازلهن والى بعض الأعمال التي كانت من دخل الأسرة الضئيل كحياكة الثياب أو الصياغة أو رتي الثياب القديمة.

<<  <   >  >>